قبيل أسابيع استقبل مؤسسو الحركة الشعبية إخطاراً رسمياً من مجلس تنظيم الأحزاب يفيد بقبولهم حزباً سياسياً في الساحة.. الحزب الحاكم لم ينتظر ذلك الإقرار ومنح رموز الحركة الشعبية مناصب وزارية في حكومة القاعدة العريضة.. كان ذاك الإجراء العملي اعترافاً أن (الماركة التجارية) للحركة الشعبية تستحق ذاك التعجل.. الحركة الشعبية (الأصلية) نافست الحزب الحاكم بضراوة في انتخابات جنوب كردفان وحسمت المعركة في انتخابات النيل الأزرق.. ذات الاستحقاق الانتخابي الذي ناله المشير البشير شمالاً.. ناله خصمه اللدود الجنرال سلفاكير جنوباً. أمس الأول وصف الرئيس البشير الحركة الشعبية في جنوب السودان بأنها مجرد حشرة شعبية.. الرئيس المشير البشير تعهد بمساعدة شعب الجنوب عبر تحريره من هيمنة الحزب الحاكم في جوبا.. لوح المشير البشير باستخدام العصا ضد الجنوب.. مفردة العصا ارتبطت في التراث العربي بأبعاد عنصرية.. بداية استصغار العدو ليس فكرة صائبة.. إعلان حرب على حشرة لا يستلزم إلا شراء مبيد من أقرب سوبر ماركت.. ولكن وضع العدو في حجمه الطبيعي يجعل التعامل معه وخوض حرب ضده تستحق كل هذه التعبئة الشعبية.. لا يمكن لبلد محترم أن يرسل فلذات أكباده في حرب ضد الحشرات. حسناً.. إستراتيجية المشير البشير الجديدة تقتضي استئصال الحركة الشعبية واقتلاعها من الحكم في جنوب السودان.. الرئيس البشير وبخلفيته العسكرية كان يدرك أن هذه الإستراتيجية تعني حرباً شاملة.. عبّر الرئيس صراحة عن ذلك (يا هم في الخرطوم.. يا نحن في جوبا). للأسف فكرة استئصال الآخر ليست في مصلحة الخرطوم.. ظلت كوبا جزيرة معادية في خاصرة الولاياتالمتحدة لنصف قرن من الزمان.. لم تتمكن أمريكا بكل صولجانها من استئصال حكم (الكاسترو) في هافانا.. ذات الواقع تعايشه كوريا الجنوبية التي لم تستطع أن تفعل مع الجار الشمالي المزعج غير ممارسة سياسة الصبر الجميل.. فيما نجح المجتمع الدولي في مساعدة كثير من الشعوب في التخلص من حكام مستبدين بعد أن دفعت تلك الأمم (المكون المحلي) عبر انتفاضات شعبية مثل ما حدث في ليبيا مؤخراً. إستراتيجية الرئيس البشير في استئصال الحركة الشعبية ليست أمراً يسيراً.. الحركة الشعبية عبر جناحها العسكري ظلت في حالة حرب مع الدولة السودانية لمدة اثنين وعشرين عاماً.. لم تضع الحركة الشعبية عصا الحرب إلا بعد اتفاق سلام قدمت الخرطوم فيه الكثير من التنازلات وصلت حد منح الحركة كل الجنوب وثلث الشمال. غير أن أكبر مأزق تواجهه إستراتيجية الرئيس البشير سيكون مع المجتمع الدولي.. السودان سيفقد تعاطف المؤسسات الدولية التي أعلنت صراحة إدانتها للغزو الجنوبي لمنطقة هجليج.. حكومة الجنوب بدأت في استدرار العطف الدولي عندما صرخ وزير الإعلام أن الخرطوم تخطط لحرب إبادة شاملة ضد (الحشرات). من المهم جداً أن تراجع الحكومة إستراتيجية تحرير جنوب السودان.. ومن الأوفق أن تحدد حكومتنا ميدان المعركة بتحرير الأرض المحتلة في هجليج.. إظهار السودان بمظهر الضحية أفضل بكثير من إرسال صورة سالبة بأننا مجرد غزاة. إستراتيجية الرئيس البشير ربما ترمينا في ذات الفخ الذي وقع فيه الرئيس العراقي عشية احتلاله الكويت.