بين يدي حديث وزير الخارجية علي كرتي أمام البرلمان أقول إننا لسنا من الرافضين لضبط الخطاب السياسي للمسؤولين بمن فيهم رئيس الجمهورية لكننا ضد التخذيل وبث ثقافة الاستسلام والهزيمة النفسية وضد إطفاء روح التحدي التي سرت في الأمة بعد انتصار هجليج ذلك أننا لا نزال أمة أرضها محتلة من قبل أفقر وأضعف دولة في العالم ولا نزال أمة مُتآمَراً عليها مُتربَّصاً بها ولا سبيل أمامها لمواجهة التحديات الجسام المحيطة بها من كل جانب سوى استخدام الخطاب التعبوي التحريضي الذي يُعلي روح الفداء والجهاد والاستشهاد. كان المخذِّلون ولا يزالون يصفوننا بدعاة الحرب ويردِّدون هذه العبارة كالببغاوات الحمقاء وهي تهرف بما لا تعرف ولو تحلَّوا بشيء من الجرأة لوصفوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بداعية الحرب ولوصفوا القرآن الكريم وهو يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) بأنه يُؤجِّج لهيب المعركة ويُشعل نيران الحرب!! لم نرضَ أن يطلب وزير الخارجية من المسؤولين أن يتركوا شأن السياسة الخارجية لوزارة الخارجية وحدها وأن يتهكّم من الذين اعترضوا على قرار مجلس الأمن في سعيه الدؤوب لتبرئة وزارة الخارجية من الهزيمة السياسية والدبلوماسية النكراء التي حاقت بالسودان في مجلس الأمن وقبله في مجلس السلم والأمن الإفريقي والاتحاد الإفريقي فمهما اشتكى من ضعف التمويل فإن حجم الهزيمة كشف أننا نجلس في العراء بلا وزارة خارجية وكأننا بلا سفارة واحدة في العالم بالرغم من أن بعض سفرائنا يوزنون بماء الذهب كفاءة وخلقًا ومهما حاول المدافعون عن الخارجية الدفاع عن وزارتهم المتهالكة مستخدِمين الكذب والتضليل فإنهم لن يستطيعوا ولن ينجحوا إلا إذا نجح من ورّطونا في نيفاشا في تبرئة أنفسهم مما حاق ببلادنا وأرضنا المغتصَبة حتى اليوم. أقول هذا بين يدي حديث علي كرتي أمام البرلمان الذي واصل فيه الدفاع عن وزارته عن طريق الهجوم على الآخرين بما في ذلك تحميله جزءاً من الهزيمة لاستخدام عبارة (العصا) التي قال إنها فُسِّرت بالمعنى العنصري الذي أورده المتنبي في قصيدته (الدائية) الشهيرة بالرغم من علمه أن عبارة العصا يمتلئ بها الخطاب الدبلوماسي العالمي (سياسة العصا والجزرةStick & carrot ) التي لطالما استخدمتها الإدارة الأمريكية ضد السودان. كل الذي حدث أن كاتباً يحمل الجنسية الأمريكية ومعروف بكتاباته التخذيلية التي تفتُّ في عضد الأمة كتب في إحدى الصحف منتقداً استخدام الرئيس البشير لهذه العبارة ولعبارة (الحشرة الشعبية) فما كان من باقان إلا أن كرر تلك العبارة في حديث له بلندن الأمر الذي وجدته الخارجية فرصة سانحة لتُعلي من خطابها الناقد لحشر الناس أنوفَهم فيما تظن أنه لا يعنيهم فكان أن أضاف كرتي كذلك استخدام عبارة (الحشرة الشعبية)!! وكلمة (العصا) ليحمِّلها جزءاً من المسؤولية.. أما وزارته فهي الكمال بعينه وهي حامي حمى السودان ومحررة هجليج!! وهكذا تبلغ الدعوة إلى التخذيل درجة أن تُحصي على الرئيس كلماته التي ما قالها إلا في يوم الفرح الأكبر والناس معبَّأون وقد بلغ عددهم في الساحة الخضراء أكثر من مليون هذا علاوة على الشوارع الممتلئة بالفرح الغامر في شتى مدن السودان.. ما كان للرئيس أن يقول غير ما قال وأكثر مما قال تفاعلاً مع الأمواج البشرية المتلاطمة التي كانت تهتف: (الشعب يريد تحرير الجنوب) وتنادي باستئصال الحشرة الشعبية. ولكن وزارة الخارجية لا تريد للناس أن يفرحوا ولا للرئيس أن يتحدث بما يتوق الغاضبون من غدر الحركة وحقدها وكيدها إلى سماعه خوفاً من غضب (المجتمع الدولي) الذي احتقرنا رغم أننا مظلومون وتنكّر لنا رغم أننا أصحاب الحق المغتصَب ولستُ أدري ماذا كان سيقول كرتي لو كان الرئيس وصف الجنوبيين وليس حزب الحركة الشعبية بالحشرات؟! في الطرف الآخر لا أحد يسائل سلفا كير وهو يسيء إلى شعب السودان الشمالي ويصفه بالمستعمِر وإلى رئيسه الذي نعته بالمجرم والحرامي وإلى جنودنا البواسل وهو يتحدث عن كيف قتلوهم أيام تمردهم اللعين.. لا أحد يبالي بما يقول سلفا كير وهو يعترف باحتلال هجليج ويهدد بإسقاط الحكومة وبإنقاذ دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ويحتضن المتمردين ويحتفل بأول عملية إبادة جماعية وتطهير عرقي لأبناء الشمال قبل استقلال السودان عند انفجار التمرد في توريت وغيرها من مدن الجنوب ولا أحد يقرع سلفا كير وهو يحرق هجليج حتى نُحرم من البترول رغم أننا سلمناهم بترولاً لم يوجفوا عليه خيلاً ولا ركاباً لكن متى كان للؤماء خلق أو دين؟ إنها حال المنبطحين الذين يحسبون كل صيحة عليهم... ولا أزال أذكر كيف استدعاني مجلس الصحافة ليحقِّق معي إثر شكوى من صحيفة الحركة الشعبية (أجراس الحرية) في تلك الأيام النحِسات قبل أن يغادرنا الجنوب.. ليحقِّق معي بشأن استخدامي كلمة (الهالك) قرنق!!.. تخيلوا كيف كان مجلس الصحافة يُحصي علينا أنفاسنا وكلماتنا.. قلت لهم: (بالله عليكم هل استدعيتموني لأني قلت الهالك قرنق؟! طيب أقول لكم الآن: عليّ الطلاق هالك وابن هالك) وشرحتُ لهم كيف أن القرآن الكريم أورد تلك العبارة في نبي الله يوسف وهو مَن هو فلماذا يحتجون عليّ لأني استخدمتها في وصف ذلك العدو اللئيم (قرنق)؟! إذ قال الله تعالى متحدثاً عن يوسف: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا) وفي سورة النساء: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ). أقول لكرتي ولغيره من أهل الدبلوماسية الناعمة إن دبلومساية القتال الذي كنتَ يا كرتي تحرِّض عليه عندما كنتَ ترتدي الزي العسكري في عرين الأبطال والمجاهدين (الدفاع الشعبي) تقتضي خطاباً آخر وأن أخوف ما أخاف منه أن نعود القهقرى إلى ذات الروح التي كانت سائدة قبل انتصار هجليج وأن تنطفئ جذوة التعبئة بالرغم من أن بلادنا لا تزال محتلة ووالله إني لأعجب لماذا عاد المجاهدون قبل تحرير بقية الأراضي المحتلة ولماذا لا نحتل بانتيو كما يحتلون بحيرة الأبيض وكاودا؟! إن عاقبة الانبطاح وخيمة ولا نصر أو جوار آمن مع الجنوب إلا باستمرار التعبئة واقتلاع الحركة الشعبية من حكم الجنوب فمتى يفهم المنبطحون؟!