بلادنا واجهت ظرفاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً خاصاً طوال فترة تدنيس جيش الحركة الشعبية للتراب السوداني، وبعد أن تحررت «هجليج» عاش الشعب السوداني كله (حالة استثنائية) تمنينا لو أنها كانت حالة عامة ودائمة، هي حالة الوحدة والاتفاق، أو حالة حزب السودان الواحد كما قال لي بذلك السيد صادق بابو نمر أحد كبار زعماء المسيرية لحظة إعلان نبأ تحرير «هجليج». تلك الظروف الخاصة والحالة الاستثنائية أثرتا بشكل مباشر على شكل ونمط الحياة، ونحن في الصحف لسنا بمعزل عن غيرنا، والصحافة نفسها كمهنة وصناعة تأثرت، إذ شهدت أسواق ورق الصحف شحاً واضحاً اضطر الكثير من الصحف للعودة إلى مربع الاثنتي عشرة صفحة بدلاً عن ست عشرة، وقد تفهم المجلس القومي للصحافة ذلك ومنح (الإذن) به للناشرين. بعض الصحف واسعة الانتشار تأثرت كميات المطبوع منها بحيث لم تعد تلبي الحاجة الحقيقية للطلب، فلجأ الناشرون إلى الطباعة في أكثر من مطبعة حتى تصل الصحيفة إلى يد القراء. حالة الابتهاج والوحدة، وعموم الحالة الاستثنائية تطلبت أن ترفع الصحف من كميات نسخها المطروحة للقراء في منافذ التوزيع المختلفة، وتطلبت أن تسارع المؤسسات والشركات والأفراد إلى التعبير عن فرحتهم بالنصر الكبير ونقل تهانيهم الخاصة بهذا الإنجاز عن طريق الإعلانات الصحفية. الحالة الاستثنائية جعلت الصحف وكثيراً من الناشرين يخرجون عن المألوف بزيادة حجم الإعلان داخل الصحف والصحافة حقيقة في حاجة للإعلان حتى تقابل متطلبات تقديم هذه الخدمة المهمة والضرورية، وهي الخدمة الصحفية المتكاملة لقرائها، واصطدمت رغبات المعلنين والناشرين بحقيقة شح ورق الطباعة، وأصبح من العسير زيادة عدد صفحات الصحف إلى عشرين صفحة أو أكثر مثلما كان يحدث قبل بروز شبح الأزمة، لذلك زحف الإعلان- قليلاً- على حساب المادة التحريرية في ظل هذه الظروف الخاصة المرتبطة بالحالة الاستثنائية. المطابع نفسها لجأت إلى الحل الذكي المتمثل في الحجم الأقل للورق، فبدلاً من أن يكون مقاس الصحيفة (76) سنتميتراً أصبح (70) فقط، وقد تحولت عدة صحف إلى هذا الحجم الجديد الذي سيعتاد عليه القاريء بعد قليل مثلما أعتاد عليه المخرجون الصحفيون الذين يقومون بإخراج الصحيفة على شاشات الكمبيوتر. نحن في «آخر لحظة» لجأنا إلى حل داخلي آخر، قمنا بإلغاء نشر الخبر مرتين، مرة في الصفحة الأولى، وأخرى في الداخل بعد أن نكون قد ذيلناه ب(التفاصيل بالداخل) بعد نشر مقدمته، ثم ننشره كاملاً بالداخل.. عدنا للشكل التقليدي والقديم الذي سيوفر علينا مساحات لنشر أخبار أخرى.. عدنا إلى نظام (بقية أخبار الأولى) في صفحاتنا الداخلية.. ونسأل الله التوفيق لنا وللآخرين.