هل للكتابة الشجية علاقة بطبيعة كاتبها؟.. ربما لأن انطباعي الشخصي عن الدكتور كمال حنفي أنه ودود وخجول وغارق في لجج إنسانية تنتمي للحياء والذوق والرقة.. إنه منتهى الأريج هذا الطبيب الذي استغرب كيف يتحمل حقن مريضه عن طريق الوريد؟.. واستغرب أيضاً كيف كان يتحمل (البشاعات الأكاديمية) من تشريح وجثث إبان تتلمذه في القاهرة وهو يدرس الطب البشري ولكن عموده بعنوان (الباشا والبوشي) الذي هنأ فيه الدكتور صلاح الباشا والدكتور عادل البوشي بافتتاحهما لمستشفى (رويال كير) وضح لي تماماً أن حنفي يعرف كيف يزاوج بين فهم الطب ويرهق قلبه في ذات الوقت لمعرفة سر أنوثة اللغة. أنا أكره الكثير من التعبيرات التي تملأ الصحف وتفيض من أفواه المذيعين مثل (المُضي قدماً) لكنني أحس يومياً بأن كاتب العمود اليومي الوحيد الذي يمزج الحداثة بالصبوات المدهشة ويملك فحولة اكتشاف الأراضي البكر في الموضوعات وبلا تردد أو تحفظ د. كمال حنفي فهو (يمضي صُعداً) كما أحب وليس (قدماً) كما أتأفف. لا أدري لماذا أشعر برغبة شديدة في إعادة قراءة شعر شوقي بزيع كلما قرأت يومياً عمود كمال حنفي ربما لأن الاثنين تربيا في كنف الأناقة البلاغية. قرأت من عمود حنفي (التقيت قبل سنوات عائلة كريمة من قبيلة الرشايدة بشرق السودان، ولما علمت أن إحدى بناتهم اسمها (كهرباء) هنأتهم على هذا الاسم الذي يؤشر إلى تسمية من صميم خواص الإنسان لذلك لن يكون خطأ علمياً ولا خطأ أدبياً.. إذا وقف إنسان من منصة مخاطباً من أمامه: أيها (المكهربون) لا حلم ينزع غصتي عن شوكة الماضي ولا مدن تحالف صرختي هذا المساء لكي أشاركها انكساري في غيابك وحدها الشرفات تشهق في الأعالي والرياح تطوف حافية على الأبراج حيث ينام قلبي عارياً في الليل مع أشباحه السوداء حيث أزف للكابوس مائدة انتظارك أي جدوى بعد فيما يمنح النعناع رائحة النساء إذا ضحكن. هل فهمتم (أيها المكهربون الشرفاء) لماذا أحتاج لجرعة من شوقي بزيع حين أدلق في وجداني ينبوعاً من حنفي؟..