(يقولون عنا إننا دويلة صغيرة، ولكن حتى الطفل الصغير لديه أسنان يمكن أن يعض بها، وعندما نكبر سنعض على نظام البشير حتى نكسر عظمه).. هذا جزء من حديث سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب فى أول ظهور له أمس الأول.. أمام شعبه فى جوبا بعد اضطرابات شهدتها حكومته كادت أن تطيح به من كرسي السلطة... سلفاكير الذى قطع زيارته الى الصين بدا مضطرباً... ووظف خطابه الجماهيرى لإقناع الشارع الجنوبي بأن الجيش الشعبى انسحب ولم ينهزم فى هجليج، كما أن حكومته لم تتعرض لمحاولة إنقلابية فى حين أن الواقع يكذب ذلك، مما دفع عدداً من قيادات حكومته بتوجيه انتقادات مباشرة له، وحاولت استغلال وجوده فى الخارج للاستيلاء على الحكم.. ولم يوضح سلفا في خطابه الأسباب الحقيقية لعودته مسرعاً الى جوبا، دون أن يكمل زيارته للصين، والتى تنتهي أمس- حسب الجدول المعلن لها- مشكلة قادة دولة الجنوب أنهم ينظرون حتى الآن للشمال ب«العدسات» التى صنعتها لهم بريطانيا منذ استعمارها للسودان، وتركتها لهم عقب خروجها من البلاد في أول يناير.. 1956م، ولم يجتهدوا فى تنظيف هذه العدسات، أو تغيير هيكل «فريم» النظارة.. لذا يعتقدون أن الشمال هو الذي استعمرهم، ويريد الآن أخذ مواردهم، وهذه النظرة ستجعلم في «مربع» عداء دائم مع الخرطوم- حتى ولو جاء نظام آخر للحكم- فقادة الجنوب ظلوا في «تمردهم» برغم تعاقب الحكومات وتمثيلهم فيها منذ الاستقلال.. والغريب أن أكثرية الوزراء الجنوبيين الذين كانوا في صفوف المؤتمر الوطني، وأمضوا سنوات في الحكومة، أظهروا عداءً سافراً ضد حكومة الخرطوم عقب الإنفصال، ولم يلعبوا أي دور في تجسير العلاقات بين الدولتين.. فحديث سلفاكير بأنه عندما «نكبر سنعض على نظام البشير حتى نكسر عظمه» ليس للاستهلاك السياسي وإظهار القوة، أمام شعب الجنوب... وإنما هدف استراتيجي لدولته بأنها ستخوض حرباً «ثأرية»، تحشد لها كل الأسلحة الحديثة لهزيمة السودان.. وإن ماحدث في هجليج هو مقدمة لحروب أخرى «طويلة» تتم تهدئتها ب«الإتفاقيات الإطارية» فقط.. وأن الحروب القادمة سيتم فيها استغلال الحركات المتمردة المتمركزة على طول حدود السودان مع دولة الجنوب، بحيث تقوم بأعمال تخريبية متزامنة مع أي هجوم جديد لدولة الجنوب...إذاً شبح الحرب سيظل مخيماً، حتى ولو وقعت الدولتان اتفاقية أمنية، وتم ترسيم الحدود ونشر مراقبين دوليين.