أصابتني الدهشة عندما اخبرني طلاب الأدبي الذين جلسوا لأمتحان مادة التاريخ، وتملكني العجب عندما علمت بعناوين المقالات القصيرة منها والطويلة. وربطت بين المقال القصير «القضاء في المهدية وأسباب نجاح الثورة المهدية»- مقال طويل-! لاحظ الاشتراك في كلمة المهدية، ويعني هذا التكريس على المهدية «التركيز على باب واحد، وهذا يعني عدم الشمول في وضع المقالات!» كما أن المقالات الطويلة: 1. أسباب نجاح الثورة.. 2. والسمات العامة لحركات التحرر العربية! مقالات رقمية! المقال الأول أسباب نجاح الثورة المهدية، يتكون من عدد نقاط من الرقم واحد إلى الرقم خمسة، بينما أعطى الطالب ثلاثون سطراً. بينما المقال الثاني السمات العامة يتكون من عدد نقاط من الرقم واحد إلى الرقم ستة! بينما أُعطى الطالب ثلاثون سطراً! علماً بأن المقالات الرقمية تكون دائماً في المقالات القصيرة، وليست المقالات الطويلة. كما أن مقال السمات الرئيسية لا تحمل طابع المقال، ولا تصلح أن تكون مقالاً طويلاً، لأنها عبارة عن مقدمة ليست دروساً طويلة، وهي حركات التحرر «مصر، الشام، العراق الصراع بين الحسين وعبد العزيز المغرب فلسطين. كما أن المقالات الطويلة.. «أسباب نجاح المهدية» و«السمات العامة» تفتقد لطابع المقالات الطويلة، التي تتضمن عناصر المقال، المقدمة، الجوهر والخاتمة.. ومن خلالها تكتب الأسماء والشخصيات والسنون والمعارك التاريخية المهمة، بجانب الأسلوب الممتاز، والتسلسل التاريخي الممتاز. ومن هنا تبرز موهبة الطلاب في كتابة المقال بأسلوبهم.. الأمر الذي يساعدهم في تنمية هذه الموهبة في الجامعات والحياة العملية! وأعود بالذاكرة لكيفية امتحان التاريخ، حيث كانت هناك عدة مقالات يختار منها الطالب خمس مقالات. وقبل التصحيح تحذف من كل مقال ثلاث درجات على حساب الأسلوب والتسلسل التاريخي، وهذا يعني أن التاريخ كان يتم تصحيحه من 85 درجة فقط، واذكر 1974م أن الطالب فريد محمد أحمد من مدرسة أم درمان الأهلية أحرز 84 درجة من 85 درجة.. وبهذه الطريقة خرج للحياة العملية العديد من الطلاب الذين برزوا في شتى المجالات، وخاصة القضاء «القاضي- المحامي»، والابداع في كتابة المرافعات بأسلوب رائع منظم. وفي السلطة الرابعة الصحافة التي تحتاج إلى ملكة تساعد فيها التعود على كتابة المقال باسلوب رائع، لابد لي أن اذكر- على سبيل المثال- نوابغ من المدرسة الأهلية أبدعوا في مجال الصحافة، منهم الأستاذ الكبير عثمان ميرغني «جريدة الشرق الأوسط لندن»- والأستاذ محمد موسى حريكه «الأيام»- والأستاذ حسين خوجلي «ألوان»- وكان يحرر بمفرده مجلة يومية بالأهلية.. أما المتفرد الأستاذ مصطفى محمود أبو العزائم «آخر لحظة»، فقد ظهرت مواهبه في كتابة المقالات عندما كان يصدر مجلة حائطية اسبوعية، وكان أسلوبهم الرائع يجذب المعلم لتقديرهم، وما كان الإبداع يظهر لولا أنهم اعتادوا على كتابة المقالات الطويلة في المرحلة الثانوية، فلماذا نحرم طلاب هذا الجيل الكريم من الإبداع. وعليه نرجو من الشخص المحترم الذي يضع امتحان مادة التاريخ للشهادة، أن يقدر جهود الأساتذة طوال العام، وهم يشرحون الدروس التي تبرز الروح الوطنية السودانية، والاستشهاد في سبيل العقيدة والوطن، وأيضاً دور الحركات الدينية كالوهابية، والسنوسية، والحركات القومية كالعرابية، والشخصيات الإسلامية أمثال جمال الدين الأفغاني، والكواكبي، والدروس التي تبرز جهود وكفاح الشعوب العربية في مصر، والشام، والعراق، والمغرب، والسودان، وفلسطين، ضد الاستعمار، حتى نالت استقلالها. هذه الدروس التي يجد فيها الطالب ذاته لأنها دروس حية تربط الطالب بالدفاع عن العقيدة، مع حب الطالب للوطن، من خلالها تاريخ الأبطال الذين خلدهم التاريخ. وأقول صادقاً لولا أن مادة التاريخ أصبحت إجبارية لطلاب القسم الأدبي في امتحان الشهادة السودانية، لأصاب مادة التاريخ الكساد والإهمال.. لأن امتحان التاريخ هذا العام وطريقته وكيفية وضعه أصاب طلاب القسم الأدبي للعام القادم بإحباط وربما شعارهم: «انج سعد فقد هلك سعيد». لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تقبلوها. معلم تاريخ بالمعاش