رحل صديقنا وزميلنا زين العابدين أحمد محمد قبل أيام..لكن مشهد لقائنا الأول مازال ماثلاً أمام ناظري، رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على ذلك القاء. كنا وقتها شباباً لانرى في هذه الدنيا أهم من مهنة الصحافة، التي أحببناها ,وحببها إلينا أكثر أستاذنا الكبير الراحل المقيم حسن ساتي- رحمه الله- والذي كان قد أكسبني ثقة كبيرة في نفسي، مثلما أكسب عدداً من الزملاء كان يسميهم ب«العشره الكرام».. وكان يثق في احكامنا وتقديرنا للأمور، ودفع بي إلى عضوية مجلس التحرير، وعمري لم تتجاوز سنواته آنذاك الخامسة والعشرين، وقد كانت تجربه صحيفة «الأيام» الغراء في عهد رئاسة أستاذنا الراحل حسن ساتي، تجربة شبابية تستند على العلم والمهنية والقدرات الخاصة والرغبة في العمل. تجربة تشربت بخبرات شيوخ الصحافة وأساطينها الكبار.. فقد وجدنا أمامنا الأساتذة الأجلاء محمود الفضلي، وعابدين محجوب لقمان، ومحمد الخليفة طه الريفي.. الذي أدين له بفضل عظيم في تمليكه لي وغيري مفاتيح العمل الصحفي المرتبط بتنمية الحس والقدرات، والمرتبط بالمطبعة مباشرة. وكان في«أيامنا» تلك التي بدأنا فيها العمل، أساتذة كبار منهم أستاذنا أحمد عبد الحليم الذي كان رئيساً لمجلس الإدار في وقت من الأوقات، والدكتور إسماعيل الحاج موسي، والأستاذ بدر الدين سليمان، وأستاذنا الراحل عظيم الأدب والرقة والحياء أحمد جمال الدين، وقد ترأس تحرير«الأيام» قبل أستاذنا حسن ساتي الأستاذ الكبير إبراهيم عبد القيوم.. لكننا لم نتمدد ونطلق لأيدينا وأقلامنا وأخيلتنا العنان إلا في عهد أستاذنا حسن ساتي- رحمه الله- الذي أخذت أسماء بعضنا تلمع في عهده، بينما زادت الأسماء اللامعة لمعاناً، وضمت الكوكبة العاملة في الصحيفة آنذاك نجوماً في دنيا الصحافة.. من بينهم الأساتذة الدكتور محي الدين تيتاوي، والدكتور مرتضى الغالي، وأسامه سَيد عبد العزيز، وأحمدالبلال الطيب، والمرحوم عبد القادرحافظ، ونجيب نورالدين، والمرحوم حسن الرضي، والمرحوم عمرعبد التام، وميرغني أبو شنب، وعبدالرحمن زروق، وهاشم عثمان، وهاشم كرار، وعيسي الحلو، وعثمان عابدين، وكمال مصطفى، ويوسف عمر، والمرحوم عبدالمنعم فرح، والسر حسن فضل، وغيرهم في التحرير.. والمكتب الفني والإدارة. كان المرحوم حسن ساتي رجلاً مبدعاً يفتح بابه وقلبه للجميع، ولكل من يرى فيه إضافة قد تتحقق للعمل، لذلك جاء برسامي الكاركتيرالراحلين صلاح أبا يزيد، وبدرالدين، وعزيز، ثم صلاح حمادة، الذي قدمناه له فلم يتردد في قبوله. في تلك الأجواء، ومع حماسة الشباب والأمل العريض في التغيير الى الأفضل.. جاء الى مكاتب صحيفة «الأيام» بالخرطوم قريباً من عمارة التبلدي، شاب طويل القامة، ترتسم على وجهه ابتسامة اكتشفنا لاحقاً انها جزء منه، وعرفني بنفسه وقال لي:«أنا زين العابدين أحمد محمد بكتب الشعر، وبحب الصحافة، وعايز أتعاون معاكم» ثم مدَ يده بمجموعة من الأوراق حفلت بأخبار عن الوسط الفني، لا يتيسر الحصول عليها إلا لصحفي محترف، وصاحب شبكة من العلاقات في إوساط المطربين، والشعراء والعازفين والأوساط الفنية المختلفة. سعدتُ بالرجل والمادة الصحفية الثرة التي قدًمها لي، وكنت وقتها أشرف على قسم المنوعات، بل تجاوز إنفعالي حدود السعادة العادية، وكدت أطير من الفرح، وسابقت نفسي إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الأستاذ حسن ساتي، ونقلت له نبأ ذلك الكنز الصحفي الموهوب زين العابدين أحمد محمد.. كان ذلك هو المشهد الأول... ثم توالت المشاهد الى ماقبل مغادرته السودان لمواصلة علاجه في القاهرة بساعات.