لم تنحصر مساهمات القذافي في نظريته العالمية الثالثة التي اتخذت مرجعيتها من برنامج الحزب الاشتراكي الإسلامي السوداني الذي كان يقف عليه المرحوم بابكر كرار والأستاذ عبدالله زكريا والدكتور ناصر السيد، فالذي يطالع هذا البرنامج الذي طرح في ستينيات القرن الماضي لا يجد فرقاً بينه وبين النظرية العالمية الثالثة، لم يقف القذافي في حدود تلك النظرية السودانية الأصل والمنشأ، بل تمدد للأدب والفن فبين يديَّ الآن شهادات مهمة لأدباء وروائيين ومفكرين عرب مأخوذة من كتاب (دراسات وأبحاث في أدب معمر القذافي) في ثلاثة أجزاء ضخمة يستهلها سمير سرحان من مصر بقوله: (كل قصة كتبها القذافي تنم عن نظرة عميقة في جوهر الحياة نفسها)، يليه الدكتور المرحوم محيي الدين صابر من السودان الذي أدلى بشهادة حول اللغة وشاعرية القذافي في كتابه القصة (يستعمل القذافي لغة شعرية حتى أن بعض القطع منها يمكن اعتباره قصيدة نثر)!. لكن سمير الجمل من مصر يقفز إلى إضاءة جانب لم ينتبه له جمهور الأدباء الذين نثروا المدائح ووسعوا التقريظ فهو يقول: (إن القذافي يفضح أحوال بعض المسلمين ممن تمسكّوا بتوافه الأمور وتركوا الجوهر)، أما الدكتور سمر روحي الفيصل الناقد السوري النافذ فإنه يدلف إلى مسرحة أدب القذافي بقوله: (لم يكن القذافي راغبا في نقل الأفكار فحسب بل في التعبير عن أحاسيسه والتأثير في المتلقي)، وتمضي شهادات الأدباء العرب الكبار كاشفة ومضيئة ومندهشة فالكاتب اللبناني الكبير ياسين الأيوبي لم يخفِ ذلك عبر الشهادة الموثقة: (كانت دهشتي كبيرة وأنا أطالع مجموعة الأديب معمر القذافي القصصية، من عمق الطرح الفكري وتصوير المعاناة العامة والخاصة، وطول باع الكاتب في ميدان الكتابة والمعالجة السياسية والأدبية). وتمضي الشهادات تقرظ في كل اتجاه نصوص القذافي أرض الحلم ويوتوبياه التي تبدأ بغزل خيوط الواقع بحثاً عن عز يأخذ فيه المستضعفون دورهم في ساحات الوجود الإنساني فلنسعد بإطلالة الأديب العراقي الكبير عبد الرحمن مجيد الربيعي: (في قصص القذافي التحام بالنبض اليومي للناس) ومن المغرب العربي يطل البنيوي بشير قمري الذي لم يبدِ رأيا في النصوص بل أضاء في الذات القذافية: (معمر القذافي ليس صوتاً معزولاً عن العالم إذ إنه صوت يصور عن ذات متعالية وعن كائنات يتجاوز حدود أنا المتكلم الذي نعرفه)، وتطول الشهادات لتشمل شهادة الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه وخليفة التليسي، وأكتفي من الجزائر بما قال به عز الدين ميهوبي: (جملة قصص القذافي استشراقات عميقة ذات دلالات واضحة وبينة). أكاد أجزم أن ما كتبه هؤلاء الأدباء الكبار في ثلاثة مجلدات ضخمة لم يحظَ به كافكا ولا آرنست همغواي، وربما يقل هذا الاجماع القومي الفريد مما حظي به الطيب صالح ونجيب محفوظ، والمدهش حقاً أنهم يكتبون عن روايات القذافي غير الموجودة في الأصل !!!.