وسط أجواء خريفية رائعة وسماء تغطيها السحب معظم ساعات اليوم، وفوق قمم يصل ارتفاعها أكثر من ثمانية آلاف قدم فوق سطح البحر ولا تفارقها الخضرة، عقد في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا خلال الفترة من 23 إلى 27 أبريل الماضي المؤتمر العالمي الثالث عشر للصحة العامة تحت شعار (المساواة العالمية في الصحة: التحديات والفرص)، وقد استمتع أكثر من أربعة آلاف مشارك في المؤتمر من حوالي 168 بلداً من مختلف دول العالم، بطعم القهوة الحبشية الراقية وهى تقدم للمشاركين بكرم الضيافة الأثيوبية الذي لا تحده حدود، وقد شارك في المؤتمر حوالي خمسين منظمة إقليمية وعالمية، وتعتبر هذه المرة الثانية التي يعقد فيها المؤتمر داخل أفريقيا. وقد خاطب الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الرئيس الأثيوبي السيد/ مليس زيناوي، موضحاً أن انعقاد المؤتمر يأتي في ظل تحديات اقتصادية كبيرة فرضتها ظروف الأزمة العالمية، حيث أصبح التفاوت في مستويات الدخول داخل وبين الدول ظاهرة عالمية أصبحت تهدد الاقتصاد العالمي والاستقرار الاجتماعي، وأن التفاوت في الدخول يؤدي إلى تفاوت ضخم في فرص الوصول للخدمات الصحية ومخرجات الصحة، وبالتالي يقود إلى مستويات أعلى من عدم المساواة في الصحة. وفي كلمتها للمؤتمر أكدت دكتورة توبيش بيشاو رئيسة الجمعية الأثيوبية للصحة العامة، أن كل المؤشرات تشير إلى أن المفارقات الصحية وعدم العدالة في خدمات الرعاية الصحية في ازدياد مستمر على مستوى العالم، وأن العدالة في الصحة لن تحقق ما لم يصبح بمقدور كل شخص الوصول لكافة خدمات الرعاية الصحية دون حرمان أحد بسبب وضعه الاجتماعي أو أي محددات مجتمعية أخرى. وقد أوضح المؤتمر في مداولاته المختلفة أبرز التحديات التي تواجه الصحة على المستوى العالمي متمثلة في عدم تحقق أهداف الألفية وتحديداً في أفريقيا والدول الفقيرة، إضافة إلى انخفاض معدلات العون العالمي للدول الفقيرة وخاصة العون المقدم للصحة وعدم مرونة برامج العون وعدم وجود التزام سياسي واضح نحو الصحة وخاصة في الدول الفقيرة. وفي الدول النامية وتحديداً أفريقيا، تواجه الدول الفقيرة عبئاً مزدوجاً يتمثل في الأمراض المعدية وغير المعدية التي تؤدي إلى زيادة معدلات وفيات الأطفال الرضع والأمهات وانتشار الأوبئة، ويتفاقم هذا الوضع بضعف الأنظمة الصحية والفقر وضعف الأداء الاقتصادي مما يضع تحديات كبيرة على الصحة والتنمية. تمثل الأمراض المعدية حوالي 63% من أسباب الوفاة في أفريقيا، ويتسبب الإيدز والملاريا والإسهالات وأمراض الطفولة في حوالي 88%من نسبة الوفيات، حيث يمثل الإيدز لوحده حوالي 38.5%من نسبة وفيات الأمراض المعدية، وحوالي 16%من إجمالى الوفيات في أفريقيا. تشير الإحصاءات إلى أن 40%من وفيات الأطفال دون الخامسة تحدث خلال الشهر الأول ولكن التقارير توضح أن معظم الوفيات تحدث وسط الفقراء وفي الريف. تمثل الأمراض المزمنة بما فيها الاضطرابات العقلية حوالي 60%من عبء المرض الحالي في العالم، بينما يصل عدد الوفيات بالأمراض غير المعدية حوالي 37 مليون شخص سنوياً في العالم، ومعظم هذه الوفيات تحدث بسبب استهلاك التبغ والإفراط في الكحول والأطعمة غير الصحية والخمول، وأكثرها ينتشر في الدول الفقيرة حيث تنخفض فرص الوقاية من المخاطر وتقل الإمكانات المتوفرة لترقية الصحة والنظم الصحية. وفي أفريقيا لا تزال هناك الكثير من التحديات التي تحتاج لتضافر المجهودات مثل التحولات المناخية التي أدت إلى ظهور موجات من الجفاف وانعدام الغذاء وزيادة الزحف نحو المدن والاكتظاظ السكاني وتدهور الخدمات وازدياد العنف والممارسات السالبة التي تؤثر على صحة الآخرين وظهور أنواع من الجراثيم مقاومة للمضادات الحيوية، كلها تحديات تمثل ازدياداً مضطرداً في الطلب على الخدمات الصحية. إن المؤشرات المتوفرة تؤكد الارتباط الإيجابي الوثيق بين الثروة والصحة، والفقر والمرض، كما أن تأثيرات العولمة والإصلاح الاقتصادي والسياسي والتحولات السكانية والوبائية والتقانات الحديثة التي وفرت الوصول السهل إلى المعلومات، كلها ساهمت في إحداث تغييرات إيجابية وسلبية وضعت النظم الصحية ومتخذي القرار في الحقل الصحي أمام ضغط مستمر يجعل الصحة العامة في مفترق الطرق وهي مجابهة بتحديات قلة الموارد المتوفرة لها من جهة، وتزايد الطلب عليها من الجهة الأخرى، الأمر الذي يتطلب جهوداً جبارة لإصلاح النظم الصحية وتقويتها والاستثمار في الصحة لتقليل الفقر وبناء الأمن على مستوى الفرد والعالم وترقية التغطية بخدمات الرعاية الصحية والعدالة في الوصول إليها خاصة في الريف، إضافة إلى تحفيز الدراسات في الحقل الصحي وإدخال التقانات الحديثة فيه لتحسين الصحة وتقوية نظم الإدارة فيه والمحاسبة والشفافية وتبني قضايا الفقراء والفئات الهشة ومناصرتهم، تظل من المرتكزات الأساسية التي تؤدي إلى تحسين صحتهم وتوفير فرص عادلة لهم في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية.