أكد دكتور حسن علي الساعوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، أن عودة التفاوض مع الحركة الشعبية يجب أن تتم بعد فك الارتباط من الحركة الشعبية بالجبهة الثورية وضرورة تغييرها لإستراتيجية التفاوض والاستعداد للحوار، بغير ذلك فإما أن تفوت الحركة الشعبية أو تموت.. وأشار إلى أن أحداث العشرة أيام الأخيرة بهجليج أعادت اللحمة الوطنية وبثت الروح في الشعب وتلاحمه مع الحكومة، وكانت اليقظة لقوى المعارضة، فإلى مضابط الحوار: طريقة العدوان هذه المرة كانت مختلفة من حيث الهدف وهي المنطقة الغنية بالنفط، ما هي الآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك؟ - ذكرت دائماً أن القضية لم تكن هجليج وأن تعود هجليج للجنوب، بقدر ما هو مخطط لضرب اقتصاد السودان وتعطيل النفط الذي يشكل دخلاً قومياً للسودان، وهذا يعني شل حكومة السودان في هذه المرحلة اقتصادياً، وهذا يرسم الطريق لتحريض الشارع والانضمام إلى ثورة ربيعية سودانية في صيف سياسي غائظ، هذا هو الهدف من العدوان وهو مزدوج سياسي واقتصادي، فبقاؤها في هجليج أيضاً يحرج الحكومة سياسياً، فالأمر فيه سيادة ووطنية. لماذا استطاعت الحركة البقاء في هجليج، هذا يعني أن الجيش السوداني غير قادر على الدفاع عن أراضي الوطن، وبالتالي سوف تواصل الزحف حتى الخرطوم كما تسمي هذه الخطة (ب) التي بنيت على عدم استعادة هجليج ومن ثم الزحف على المدن: كادوقلي- تلودي- الأبيض- كوستيوالخرطوم، وكانت ستكون ثورة مسلحة، ولو فشلت الحكومة في استعادة هجليج كانت ستفشل في دحر الثورات والتمرد في النيل الأزرق وجنوب كردفان المدعوم من حكومة الجنوب وأمريكا أيضاً!! تأثير قرار إغلاق أنابيب النفط القادمة من الجنوب، ألا يشكل هذا الإغلاق خطورة على حركة الرعاة على الشريط الحدودي من حيث ردة الفعل للحركة الشعبية؟ - طبعاً هي مشكلة للدولتين من حيث التصعيد والمواجهة المسلحة للرعاة المحليين والزراع أيضاً، حيث امتداد الحدود الغني بالثروات الحيوانية والزراعية وهؤلاء هم المستفيدون من التحرك شمالاً في الخريف، والآن جاء دورهم وكذلك ضرر لرعاة الجنوب، وكما قلت إن الضرر على الناحيتين وإلا سوف تباد الماشية في الجنوب إذا بقيت في فترة الخريف وهم لم يحسنوا حساب ذلك، السودان الآن لديه ستة أشهر ويمكنه أن يحفر آباراً وحفائر حتى لا تضطر هذه القبائل إلى حركة الرعي إلى حيث بحر العرب، وهناك قبائل البجة وكنانة والمسيرية وهي ترجع للجنوب في يناير وفبراير القادمين!! على ذكر المسيرية هي الآن في المواجهة مع الحركة الشعبية وليست هي المرة الأولى، ولها دورها في الدفاع مع الجيش السوداني، كيف يمكن أن تساهم الحكومة في الاستقرار والتنمية بولاية جنوب كردفان؟! - قبيلة المسيرية هي القبيلة المتضررة الأولى من كل هذا العدوان- وهذا قدرها- من حيث موقع ديارها المواجهة لدولة الجنوب، وهي قبيلة مقاتلة ساهمت في المهدية، والآن تساهم في الدفاع عن دولة السودان وعن أراضيها وحقوقها في الرعي والحياة، لهذا هي أقسمت بأن تحمل السلاح، وتدافع عن الوطن وعن نفسها، وهذا الدور يحتاج بالمقابل من الحكومة التقدير وقد فعلت الحكومة، ولكن الفعل الحقيقي هو إحداث التنمية المتكاملة، والمشاريع لاستقرار الرُحَّل وبناء الطرق المعبدة، والمشاريع الزراعية حتى ينعم هؤلاء في ولاية جنوب كردفان بحياة كريمة، وحتى يعود المنشقون من القبيلة وغيرهم من القبائل الأخرى بالولاية إلى حضن السودان ولا يساندون المتمردين بدعوى التهميش والظلم، لذلك دور الحكومة يجب أن يكون واضحاً وسريعاً وحاسماً في الاهتمام بالمنطقة، خاصة وأنها منطقة وولاية غنية بالموارد الطبيعية، من بترول وثورة حيوانية.. لذلك لابد من قيام تنمية متكاملة من مزارع مختلطة ومياه محلية. هذا يحيلنا إلى فشل عملية التسريح والدمج بالنيل الأزرق وجنوب كردفان للجنود العائدين بعد توقيع اتفاقية السلام، وتأخر تلك العملية أدى إلى رجوعهم وتمردهم مرة أخرى كيف ترى ذلك؟! - بالفعل هذه واحدة من الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة السودانية.. لأن اتفاقية نيفاشا كانت تقول إن ينسحب جيش الشمال شمال خط 1 / 1 / 1956م وينسحب جيش الجنوب جنوب خط 1 / 1 / 1956م، وللأسف الشديد انسحب جيشنا كاملاً ولم ينسحب الجيش الشعبي إلا 30% فقط... وهذا هو الخطأ الفادح الذي ظللنا ندفع ثمنه حرباً حتى الآن، ابتدأ بتمرد النيل الأزرق، وجنوب كردفان، فلو اشترطت الحكومة على الحركة الشعبية بأن الاتفاقية تقول إن الإنسحاب يتم بنسبة (30%) إلى 30% ، وفي وقت واحد، وإلا لن يقوم الاستفتاء أصلاً!! ولكن الحكومة غفلت عن هذا الأمر.. وبالتالي عملية التسريح والدمج لم تكتمل لأن هذا الشرط غير موجود بإعادة الانتشار، فالذي أعاد الانتشار هو الجيش السوداني، وبقيت الفرقة التاسعة والعاشرة والتي مثلت (30%) من قوات الحركة الشعبية للتمرد، وبعدها وتثير كل هذه المشاكل والحروب، ولهذا أنا أرى الخطأ هو خطأ الحكومة، وليس الحركة الشعبية، فصحيح أنها لم تلتزم.. لكن الحكومة لم تهتم باعاداة الانشار لجيش الحركة الشعبية، فكان خطأ مفصلياً في تنفيذ الاتفاقية ترتبت عليه هذه الأحداث الآن!! أخيراً ما هو الدرس المستفاد من هذه العشرة أيام العصيبة التي انتهت بانتصار قوات الشعب المسلحة وللسودان؟. - الدرس المستفاد الوحيد هو اليقظة الوطنية وإحياء الروح للشعب، ولا أنسى هنا الإشارة لليقظة الوطنية للمعارضة التي أبدت لأول مرة موقفاً مؤيداً للدولة، وضد العدوان وايقظتهم بأن هناك فرقاً بين المصالح العليا للدولة، وبين الحكومة الحالية. الدرس الثاني هو الجنوب، والذي خسر الكثير من الأرواح والعتاد، إضافة إلى أكثر من الف قتيل، وما لا يقل عن 100 سيارة، وعدد من الدبابات في محاولة سميتها باليائسة والفاشلة. ما رأيك في موقف الترابي الصامت من أحداث هجليج وقوله إن أبيي جنوبية؟ - صمت الترابي رغم قوله إن أبيي جنوبية يعني أن الموقف صعب، ولكن مجرد الصمت يعني أن هناك خطباً ما تجاه ما حدث في هجليج من الحركة الشعبية، ففي سوابق أخرى كانت الأصوات تعلو من المعارضة، لكن الآن تصمت، وأنهم اضطروا للصمت لأنهم يعلمون ردة الفعل الشعبي!! التعامل مع الجنوبيين... كيف يمكن أن تكسبهم كمواطني دولة جارة بعيداً عن الحركة الشعبية؟ - الجنوبيون وأثناء الحرب- منذ 1983م- الذين نزحوا إلى الشمال لا يقلون عن 3 ملايين، والذين نزحوا لدول الجوار أقل من مليون.. هذا يعني أن علاقة الشعبين علاقة طبيعية ليس فيها ما فيها.. كان يمكن لأهل الشمال أن يستثمروا هذه العلاقة طيلة السنوات لبناء مجتمع مترابط، حتى ولو حدث الانفصال السياسي.. ولكن هذا خطأ القوى السياسية الشمالية جميعاً، وحتى المعارضة التي أهملت هذاالجانب، ولم تستثمر هذه العلاقة مع سلاطين الجنوبيين، الذين عاشوا في الشمال في نيالا ودنقلا وحتى كسلا والقضارف وبورتسودان، وكانوا مستعدين للتعامل معنا، ولكن تم إهمال ذلك فاستوعبتهم الحركة الشعبية قسراً أو رغبة، فصوتوا للانفصال، والآن يعانون الأمرين من الحركة الشعبية التي لم تمنحهم وعد الدولة والاستقرار، وهي الآن تعيش على الإغاثات والإعانات.. لذلك أرى أن نخاطبهم في أحزابهم الماثلة الآن بغرض إعادة العلاقات بعيداً عن الحركة الشعبية كمحلل سياسي بالنسبة لحكومة جنوب السودان وقرار فك استراتيجيتها التي اختارت مربع الحرب!! - ستظل في هذا المربع لأن القيادة الحالية للحركة الشعبية إما أن تفوت أو تموت.. وليس لنا أمل في أن تستقيم العلاقات لوجود الحركة الشعبية، وحتى نعود للمفاوضات لا بد من تحقيق شرطين أولاً عدم إيواء الحركة الشعبية لمتمردي الجبهة الثورية، وكذلك تغيير استراتيجية الحركة في المفاوضات من استراتيجية ممانعة ومماطلة، واستنزاف للوقت، إلى استراتيجية عملية ناجعة لحل كافة القضايا العاجلة، دون إبطاء وإرجاء وترحيل وخداع للمواقف.. لكن كيف يتم تحقيق ذلك بعد دعوى الرئيس الأمريكي أوباما للحكومتين بالجلوس مرة أخري على طاولة المفاوضات!! حديث أوباما له مصالحه في توقيت انتصار الشمال، لكن من ناحية أخرى يدفع إلى تماسك دولة الجنوب التي لا تستطع أن تقود حرب استنزاف طويلة، ولابد من إنفاذ الشرطين اللذين تحدثت عنهما بفك الارتباط مع الجبهة الثورية وتغيير استراتيجية الحوار والاستعداد للوصول إلى اتفاق. }}