مما أورده البخاري- رضي الله عنه- في صحيحه عن أنس- رضي الله عنه- قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً من بني سليم إلى بني عامر في سبعين، فلما قدموا قال خالي: أتقدمكم، فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا كنتم منى قريباً، فتقدم فأمنوه، فبينما يحدثهم عن النبي صلي الله عليه وسلم، إذ أومأوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه، فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة، قال القاتل: ما الفوز الذي فازه؟.. قيل له: الشهادة، فكانت هذه الكلمة سبباً في إسلامه. ولعمري أنه ليس لدينا عشم في إسلامهم، وإن كنا نرجوه لهم ونأمله، وذلك لأننا قدمنا نفي العشم على الرجاء والأمل لهم، ولمعرفتنا الوثيقة بهم، فهم ممن قال عنهم المولى عز وجل في سورة البقرة: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد). ومصداق قوله تعالى ما كشفه جهاز الأمن والمخابرات الوطني عن مكالمتين هاتفيتين لحاكم ولاية الوحدة بدولة الجنوب تعبان دينق لقيادات ميدانية للجيش الشعبي وحركة العدل والمساواة في (هجليج) يطالبهم بحرق وتدمير وتخريب شامل للمنطقة، وحرق بنيات وآبار البترول، بل وحرق المدينة بأكملها في حال الانسحاب من المنطقة! أوليس ذلك بعينه هو السعي للإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل؟ ولو كانت منطقة هجليج جزءاً من أراضيهم، أو حتى لو كانت منطقة عمليات قتالية، بل حتى لو كانت منطقة متنازعاً عليها كالمناطق الخمس الحدودية المتنازع عليها، لألبسناهم ثملاً من عذر أو تبرير كتلك الثياب الوهمية التي اختال بها فرعون قليل العقل، ولكن هجليج لم تكن يوماً من الأيام جنوبية أو متنازعاً عليها بشهادة الملأ الذين يسندونهم ويدعمونهم أمثال المنظمة الدولية، والمجتمع الدولي.. الخ! ويبدو أنهم في غمرة سكرتهم بتعضيد أولئك الملأ لهم، وبعد تمرغهم في عائدات النفط التي اغتصبوها ونهبوها طوال خمس سنوات من الجوعى والأرامل واليتامى، قد نسوا تماماً أولئك الأشاوس الذين أذاقوهم الويل والهوان ومر العذاب، وهم يقدمون رتلاً من بعد رتل من الشهداء الذين أذهلوهم وهم يتسابقون للفوز بالشهادة كمثل الشهيد الذي أوردنا ما جاء عنه في صدر حديثنا هذا مما ورد في صحيح البخاري رضي الله عنه، كما نهديهم هنا، إن كانت لهم عقول، ما أمرنا به أصدق القائلين في سورة الأنفال بقوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون). وها هو الآن يتواصل من جديد سباق الفوز والكرامة والأجر العظيم، ولعل الشهيد علاء الدين حسن زائد قد أذهب سكرتكم وأطار النوم من أعينكم، وملأ الذعر والهلع جوانحكم وأنتم تقلبون في ذاكرتكم صحبه الأبرار الذين خبرتموهم من قبل في سوح القتال وفي خضم المعارك، من أمثال أبي دجانة، وعلي عبد الفتاح، والمرجي، وهيكل، ووداعة، وأحمد سيد، وعبد المنعم، وغيرهم كثر من الذين اصطفاهم المولى عز وجل إلى جانبه، وأما إخوانهم من الذين ما بدلوا تبديلاً فهم الآن يتسابقون ويتدافعون في زحف نحو ميدان الكرامة! وجميعهم يحفظون عن ظهر قلب قوله تعالى في سورة الأنفال: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير). وفي السباق نحو الفوز العظيم تعلمون تماماً أن نهج الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل يربا شهداؤنا الأحياء الذين يتدافعون بالمناكب نحوكم أسوة بالسابقين منهم من السعي على نهجكم الفاجر، وإنما على نهج المولى عز وجل الذي رسمه في سورة الشورى بقوله: (وجزاء سئةٍ سيئةٌ مثلها)، وقوله في سورة النحل: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، وقوله في سورة البقرة: ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم...). وقد كان في مقدورنا أن نجعل منشآت وآبار بترولكم قاعاً صفصفا، وهو في الحق والحقيقة بترولنا، حيث ما كان في مقدوركم استخراج جرعة ماء من بئر سطحية.. فسلام على شهدائنا الذين سبقوا وعلى اللاحقين منهم على الشهادة، وهم الأكرم منا جميعاً وهم الأحياء عند ربهم يرزقون، ونسأله تعالى أن يختم لنا بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.. ويظل سوداننا الحبيب الوطن الأعلى والأغلى.