الثورة تدخل يومها الثالث.. الشعب سد الطرقات على العسكر.. الفنان محمد وردي شعر أن ليل الشمولية في طريقه للانجلاء.. مضى وردي إلى الشاعر الكبير الفيتوري يبحث عن نص ضائع يقابل به فجر الثورة.. الفيتوري الذي عاش في مصر وجرب عسف الدكتاتوريات تردد قليلاً قبل أن يكتب نشيد أكتوبر (أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باقٍ).. الفيتوري يروي بصدقه الصوفي أنه اتفق مع وردي على إطلاق النص بعد مغادرته الخرطوم.. ولكن وردي لم يصبر.. الفيتوري في صالة المغادرة ومن الراديو الداخلي سمع قصيدته الثائرة وأيقن أن الله كتب النصر للشعب الصابر. أمس نشرت الزميلة الرأي العام أن رئيس الجمهورية أنعم على الشاعر الفيتوري بجواز سفر سوداني.. محمد الفيتوري الذي ولد في الجنينة وتربى في كنف أسرة صوفية وعمل بوزارة الإعلام السودانية.. تتصدق عليه الحكومة بجواز سوداني.. الفيتوري أعظم الشعراء يعامل مثل كلتشي واتوبونق وديمبا ويتم تجنيسه بمنحة رئاسية.. لاعبو الهلال والمريخ والأمل عطبرة يتم إكرامهم بالجنسية السودانية من صالة كبار الزوار. ومن قبل أيام ظلم الإعلام الشاعر الكبير حينما أعلن وفاته في خواتيم الشهر الماضي.. أسرته ظنت أن الأمر ليس إلا كذبة أبريل وصبرت على الابتلاء.. ولكن ذات الأسرة ثارت وغضبت حينما رأت البعض يشكك في سودانية الفيتوري.. زوجته آسيا عبدالماجد خصت آخر لحظة بوثائق تؤكد أن محمد الفيتوري (منا آل السودان).. صحيح أن أصول والده تعود إلى ليبيا.. ومؤكد أن الفيتوري نشأ وترعرع في أزقة الإسكندرية وتشرب من علوم الأزهر وخدم في السلك الدبلوماسي الليبي سنوات طويلة. عن حكايته مع الهوية السودانية يقول الشاعر (نميري أراد إسقاط جنسيتي.. لم يكن ذلك ممكناً لأنني ولدت في السودان.. أنا سوداني بالميلاد لا أحد يمكنه إسقاط جنسيتي).. الفيتوري في رواية صديقه طلحة جبريل تجنس بالجنسية الليبية بعد أن ضاقت به عصبة مايو الغاشمة. الآن ومنذ سنوات يرقد شاعرنا الفيتوري في شقة صغيرة بضاحية سيدي عابد بالعاصمة المغربية الرباط.. نصفه الأيمن مشلول وتوقف لسانه من ترديد الشعر.. تعتني به زوجته المغربية وتتقاسم معه الألم ابنته الصغيرة (أشرقت).. ثوار ليبيا سحبوا منه الجواز الدبلوماسي الذي كان يتحرك به ومنعوا منه حتى معاشه.. السفارة السودانية لم تتذكره إلا حينما أشيعت وفاته في الأسافير. الآن اتضح أن ابناً من أبناء السودان يعيش في محنة بعيداً عن الوطن.. نرفع صوتنا عالياً ونطالب رئاسة الجمهورية بأن تمنح شاعرنا الكبير جوازاً دبلوماسياً وتخصص له معاشاً يعينه على نوائب الدهر. ومطلوب منا جماهير الشعب السوداني التي تغنى لها الشاعر الفيتوري في حلوها ومرها.. أن نعلن يوماً خاصاً نكرم فيه الشاعر النبيل.. احتفالاً شعبياً نرد فيه كرامة الفيتوري ونكتب عريضة تدعوه للعودة إلى الوطن العريض لينشد لنا أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باقٍ. صدق الفيتوري حين قال (الشعراء لا يموتون).