(1) ü في بارقة مفرحة، توحي بإمكانية ترويض المستحيل إذا ما خلصت النية وتوفرت الإرادة، وافانا المهندس عبد الرحمن أحمد جبريل من المركز القومي لأبحاث الطاقة بوزارة العلوم والتقانة، بأنباء سارة من حدودنا الغربية مع تشاد في مقال له بجريدة «الصحافة»، وذكر المهندس جبريل الذي كان ضمن ثلة من المهندسين الذين قاموا على تنفيذ مشروع إنارة القرى الحدودية بين البلدين في الفترة من عامي 2009 و2011، وبعد أن استقرت الأوضاع الأمنية في المنطقة نتيجة للاتفاق الثنائي وانتشار القوات المشتركة، الإنارة شملت 32 قرية تشادية وأكثر من 20 قرية سودانية، وبدا المهندس جبريل سعيداً بهذا الإنجاز المميز، وقال إن مشروع الإنارة كان له بالغ الأثر في نفوس المواطنين هناك بعد طول معاناة، خاصة والطاقة صارت مدْخلاً لكل احتياجات الإنسان الأساسية في التعليم والصحة والمياه الصالحة والاتصال والثقافة، ولكم أن تتخيلوا أشخاصاً في أعمار متفاوتة يشاهدون التلفزيون لأول مرة في حياتهم، وهناك من تلمس يداه مفتاح الكهرباء لأول مرة لإشعال لمبة، وصارت الأسواق تعمل حتى وقت متأخر من الليل واستتب الأمن بفضل الأضواء الكاشفة وأصبحت المساجد والخلاوى مضاءة للركع السجود وطلاب القرآن الذين لم يعودوا في حاجة لجلب حطب الحريق لتوفير الإنارة عبر «التقابة». تمنيت لو أن المهندس والفريق العامل معه اتجهوا بذات الفكرة ووفرت لهم الدولة الإمكانات الضرورية لإنارة مئات وآلاف القرى المظلمة في الداخل السوداني، في النيل الأبيض وكردفان والشرق والنيل الأزرق، فمقال المهندس عبد الرحمن يؤكد أن الأمن هو صنو توفر الخدمات الأساسية للإنسان، وأن التهميش والفقر هما مدخل التمرد والاضطرابات والحروبات. (2) ü تعقيباً على البيان الختامي وتوصيات اجتماع المجلس القومي للتخطيط كتب الأستاذ أحمد عبدالرازق من جامعة العلوم والتقانة مقالاً عن «البحث العلمي في السودان.. ودور الولايات»، عبَّر عن طموح الأستاذ عبدالرازق النبيل، الذي قاده لمقارنة «خيالية» بعيدة بين واقعنا وواقع البلدين اللذين اتخذهما مثلاً يجب أن يحتذى، فالأول هو (ألمانيا) أغنى وأعرق البلدان الأوروبية صناعياً وتقنياً، والثاني هو (البرازيل) أكثر بلاد أمريكا اللاتينية نهوضاً وتقدماً خصوصاً مجال الزراعة، الناتج المحلي الإجمالي لدخل الولاية التي اتخذها عبدالرازق نموذجاً، ولاية «باون قوتنبرج»، يبلغ (365) مليار يورو، وهي أغنى من دول مثل سويسرا وبولندا وبلجيكا وكثير غيرها من أعضاء الاتحاد الأوربي، وقال إنها بلا موارد ولكنها تستثمر في «اقتصاد المعرفة»، فقد شهد العام الحالي فقط (58) ألف براءة اختراع، أي بنسبة 125 براءة لكل ألف نسمة، وهذا يعني أن نحو كل ألف مواطن بينهم واحد أو أكثر حائز على براءة اختراع، وتخصِّص الولاية 4.4% من إجمالي دخلها أي «المليارات المتلتلة» للبحث العلمي، أما في البرازيل فقد اقتحم فريق من الباحثين في العام الماضي دوائر رئيسية كانت مغلقة عندما نشر تحليله الوراثي لجرثومة فتكت بأشجار البرتقال، وتمكن الفريق من احتلال موقعه المستحق في عالم البحوث العلمية وعمدت الولاياتالمتحدة لاستيراد الكشف العلمي واستخدامه لمحاربة مرض العنب لديها، وترصد ولاية «ساو بولد» موطن فريق البحث 1% من عائداتها الضريبية سنوياً لتمويل البحث العلمي، أما نحن- على مستوى المركز والولايات- نخصص- ما شاء الله- (003.0)% (ثلاثة من ألف في المائة) من إجمالي الناتج المحلي لشؤون البحث العلمي، ومع ذلك يطمح الأستاذ عبدالرازق إلى التقدم في هذا المجال الحيوي، بينما أبناؤنا التلاميذ في الولايات يتلقون دروسهم تحت الرواكيب ومدرسوهم يضربون ويعتصمون احتجاجاً على البيئة المتردية لتعليم الأساس وعلى انقطاع رواتبهم الموكل سدادها للولايات، ناهيك عن النفق المظلم الذي دخل فيه التعليم العالي مع «ثورة التعليم»، أقول للأخ عبدالرازق: المقارنة بعيدة وخيالية، ومع ذلك «تفاءلوا بالخير تجدوه»! (3) ü واجهت محاولة ترحيل المواطنين الجنوبيين العالقين منذ إعلان الانفصال قبل نحو عام الفشل، عبر النهر أو اليابسة، وحتى جواً، فقد حملت أخبار الأمس أن عمليات ترحيل نحو 12 ألفاً من رعايا الدولة الوليدة من الخرطوم، بعد أن تم نقلهم من كوستي، قد تم تأجيلها بسبب عدم تجهيز الطائرات، وحمَّل مدير المركز السوداني للنازحين واللاجئين السر العمدة، منظمة الهجرة الدولية مسؤولية التأجيل، وقال إن المنظمة أخفقت في تجهيز الطائرات المطلوبة لهذا الغرض، وإن طائرة واحدة من بين ثلاث طائرات وصلت مطار الخرطوم، وحتى هذه فإن «طاقهما لا يزال في العاصمة البريطانية»! وأكد التزام السودان بتنفيذ ما يليه في خطط العودة الطوعية للجنوبيين بنسبة (100%)، وأفاد بأن طائرتين من دبي وأديس أبابا ستصلان إلى الخرطوم للعمل في ترحيل «اللاجئين من دولة الجنوب، إلى وطنهم».. نعم أسماهم (اللاجئين). مأساة السودانيين الجنوبيين الذين قرروا الاستجابة لنداء الانفصال وحزموا أمتعتهم القليلة وتوجهوا إلى ميناء كوستي النهري، وظلوا يعيشون هناك على شاطيء النهر لأشهر متطاولة بلا مأوى ولا غذاء منتظم إلا ما تجود به أيدي الخيرين وبعض منظمات الإغاثة، تجسد بعض كوارث الانفصال الإنسانية، التي لم يعد بإمكاننا أن نسأل الله رد القضاء فيها وإنما اللطف بهؤلاء البؤساء عديمي الحيلة، الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها ودونما ذنب جنوه «لاجئين من دولة الجنوب» في وطنهم الكبير، يتكففون منظمة الهجرة الدولية أعطتهم أو منعتهم، رحلتهم أو أبقتهم شهوراً أخرى.. فلا حول ولا قوة إلا بالله!