جاء في البيان الختامي والتوصيات لإجتماع المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي, دورة الإنعقاد الأولى للعام 2010م وفي البند الخاص باستعراض أداء محاور الخطة الخمسية (2007م 2011م) وتحت ثالثاً: أداء محور الحكم الراشد وسيادة القانون للأعوام (2007م–2009م) وبعنوان: الحكم الاتحادي ما يلي : «صار تحديد الأولويات وتنفيذها شأناً ولائياً محضاً, فلم يعد المركز هو الذي ينشئ المؤسسات الصحية والتعليمية أو الذي يحدد أسبقيات البنية التحتية, بل أعيد الأمر لذوي الشأن في الولايات تخطيطاً وتنفيذاً «. آخذين بعين الاعتبار ماجاء في هذه العبارة نورد بعض ماورد في سابعاً تحت: «أداء محور تطوير آليات البحث العلمي للأعوام 2007م–2009م» . «البحث العلمي هو الركيزة الأساسية للتطور وزيادة الإنتاج ورفع الكفاءة من خلال توفير الموارد لدعم البحث العلمي وتطويره وتوجيه مخرجاته لخدمة الغايات الإستراتيجية الرئيسة, عملت الوزارات القومية والولائية خلال أعوام الخطة الخمسية الثلاثة الأولى (2007م–2009م) على تحقيق الأهداف الإستراتيجية للمحور..» ومع ذلك لا يجد البحث العلمي الإهتمام المطلوب سواء على مستوى المركز أو الولايات وينعكس ذلك في نسبة التمويل (0.03 من أجمالي الناتج المحلى). التي تقل كثيراً عن المتوسط في الدول الشبيهه . وفي تقديري يمكن للولايات أن تلعب دوراً فاعلاً في ترقية البحث العلمي وتطويره والذي أصبح اليوم أهم المحركات الرئيسة للتنمية الشاملة والمستدامة . ولوالي الخرطوم تجربة لم تكتمل للاستفادة من الإمكانات العلمية والبحثية في الجامعات والمراكز البحثية الكائنة بالولاية في تطوير الحياة في الخرطوم الولاية . وإذا نظرنا للعالم من حولنا نجد تجارب نافذة في هذا الشأن. فقد أوردت صحيفة الأهرام المصرية في عدد27 ديسمبر 2010م خبراً مفاده أن اقتصاد ولاية بادن قوتنبرج الألمانية يفوق اقتصاد سويسرا وبولندا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوربية التي تعد دول الصف الثاني». ويضيف الخبر أن اجمالي الناتج المحلي بهذه الولاية يبلغ نحو « 365 مليار يورو في حين أن اجمالي الناتج المحلي لسويسرا مثلاً يبلغ 341 مليار يورو». وحتى نعلم من أين جاء الفرق؟ يستمر الخبر في القول «وهذه المقاطعة الألمانية تعد من أغنى المناطق في أوروبا بعقول أبنائها، حيث لاتوجد أي خامات طبيعية في الولاية, فقط عقول بشرية والعديد منهم من المخترعين. فالعام الحالي شهد 58 ألف براءة اختراع أي بنسبة 125 براءة اختراع لكل 100 ألف نسمة, ولهذا فإن هذه الولاية الأعلى إنفاقاً في البحث العلمي، حيث تخصص له 4,4 % من إجمالي الناتج المحلي للولاية في حين أن المتوسط الأوروبي لا يتجاوز 1,9 %». ويذهب الخبر إلى القول «وبفضل ثروتها البشرية فقد صدرت في العام الماضي بقيمة 130 مليار يورو, ومتوقع للعام الحالي أن تصل صادراتها الي 159 مليار يورو لتصبح الاولى في التصدير على مستوي العالم وهو ما أسهم في انخفاض شديد في نسبة البطالة. والفضل في ذلك يرجع لمراكزها العلمية والبحثية, فهناك 70 جامعة في الولاية وتعد موطناً لبعض أقدم وأشهر الجامعات المرموقة في ألمانيا.. كما يوجد بها أيضاً أربع من أفضل وأعرق تسع جامعات ألمانية, منها هايدبلبيرج وكالسروه (معهد التكنولوجيا ) وجامعة كونستانس ...» وأقدم مثالاً آخر من دولة نامية هي البرازيل منقولاً من كتاب «بناء مجتمعات المعرفة: التحديات الجديدة التي تواجه التعليم العالي - تقرير صادر عن البنك الدولى», ترجم ونشر في مركز معلومات قراء الشرق الأوسط (ميريك) القاهرة 2003م. وأركز على ماجاء في التقرير بشأن إنجازات البرازيل في علم النبات تبين إنجازات البرازيل قواعد العلم الجديد في الاقتصاد العالمي. فالباحثون العلميون الذين يقدمون بحوث نوعية ويبرعون في الانترنت يمكنهم القفز أينما كانوا فوق الحدود القومية وتخطيها وتحدي معاقل العلم التقليدية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربا... اقتحم فريق البحث البرازيلي في العام الفائت دوائر رئيسة كانت مغلقة في وجهه عندما نشر تحليله الوراثي لسلالة من سلالات جرثومة فتكت بأشجار البرتقال, في مجلة البحث العلمي الرائدة الطبيعية. فقد جعل هذا العمل الفذ من علماء ساو باولو الأوائل في العالم الذين تمكنوا من فك جينوم ممرض نبات ومن ذلك الحين أمكنهم اكتساب موقعهم في الأوساط العلمية العالمية بإعتبارهم خبراء رواداً في علم أمراض النبات . وقد تعدى هذا الإنجاز العلمي البرازيلي المميز الحدود ليساهم في حل بعض المشاكل التي تتعلق بزراعة العنب في الولاياتالمتحدةالامريكية أحد المعاقل التقليدية للبحث العلمي في العالم التي لجأت للبرازيل طلباً للمساعدة, حيث يقول عنها أحد المسئولين من خدمة البحوث الزراعية في وزارة الزراعة الأمريكية: «لأنها تعتبر الآن الرائدة في هذا الميدان الزراعي ولأنه لا تتوفر لدينا الخبرة أو البنية التحتية بهذا العمل». ولولاية ساوباولو القدح المعلي في تلك الإنجازات العلمية المبهرة «... حيث نال العلماء تمويلاً من ولاية ساوباولو التي رصدت 1 % من العائدات الضريبية سنوياً للبحث العلمي, جيء بالموارد البشرية العلمية من بين 200 باحث يعملون موزعين في 34 مختبراً منتشراً في ساوباولو ويقودهم عالما (أحياء) من جامعة ساوباولو... و(اختصاصي) في البرمجيات من جامعة كامبيناس ...». وهكذا يكون الدور الفاعل للولايات في تطوير البحث العلمي وترقيته سواء في الدول المتقدمة (ألمانيا ) أو الدول النامية (البرازيل). وكما يقال فقد أصبح العالم مسطحاً. فالأرضية متوفرة للجميع دون إستثناء ولأي دولة الخيار للتطور والتقدم العلمي والتقني أو أن تظل في مكانها والأسوأ التقهقر كما هو حادث اليوم في بلادنا . ولكن يلوح ضوء في نهاية النفق, بعد التوصية الهامة للمؤتمر القومي للتعليم المتعلقة بإنشاء مجلس أعلى للبحث العلمي (تحدثنا عنه سابقاً)، والذي نضيف اليه أهمية إنشاء مجالس مماثلة على المستوى الولائي بإنشاء مجلس أو هيئة علمية في كل ولاية تعني بالبحث العلمي. وقبل ذلك يتطلب الأمر إعلاء شأن العلم لدى السلطات في الدولة كافة، وخاصة السلطة التنفيذية الاتحادية والولائية والأهم في تقديري لدى القابضين على المال العام في بلادي. وأعني بذلك وزارة المالية والاقتصاد الوطني، فهي الأولى بإعلاء شأن العلم قبل الآخرين، وإن فعلت ذلك سنرى أداءً اقتصادياً ومالياً غير ما هو حادث الآن. *جامعة العلوم والتقانة – أم درمان.