إنعقدت في الأيام الماضية دورة جديدة لمجلس شورى الحركة الإسلامية السودانية، ووجدت الدورة - على غير العادة - اهتماماً متعاظماً من أجهزة الإعلام المحلية، وخصوصاً الصحف اليومية.. ربما لتوقع البعض لبروز خلافات أو آراء ناقدة لتجربة الحركة الإسلامية في إدارة الشأن العام في البلاد، الأمر الذي لم يحدث إلا بالقدر الذي يصوب الأهداف ويهدي المسيرة القاصدة إلى غاياتها. ركزت الشورى من خلال اجتماعها وعكفت على التحضير الجيد لمؤتمر عام للحركة الإسلامية السودانية، يعقد قبل نهاية العام الحالي 2012م، ويكون من أهم أجندته إجازة الدستور الجديد للحركة، الذي كتب بلغة معاصرة ومستوعبة للتطورات الموضوعية، التي حدثت وإنشاء هياكل وكليات تنظم العلاقات الرأسية والأفقية بين الدولة والحزب والصعيد الخاص بما يضمن إفراغ الوسع، وبذل الجهد للوفاء بذمة تكاليف الحكم والتعاطي الأمين مع الساحة السياسية الوطنية بواسطة المؤتمر الوطني، واستصحاب وظائف الحركة الخاصة في زيادة العضوية، وتزكيتها، وتعبئتها لمجابهة التحديات الوطنية والإسلامية، لتتكامل هذه الوظائف كافة ولا تتقاطع، تحقيقاً للأهداف العليا للحركة الإسلامية الفاعلة في فضاء النشاط الإنساني والمنفتحة على الآخرين، والمتناصرة مع التيار الإسلامي العريض من أجل نشر الإسلام وتمكينه وحمايته. ويسأل بعضهم هل الحركة الإسلامية تنظيم مسجل ومعترف به رسمياًَ؟ للإجابة على هذا السؤال نقول إن الحركة الإسلامية تعتبر تياراً فكرياً إسلامياً جامعاً لأهداف عديدة وحاشد لطاقات بشرية متنوعة، يصعب تسجيله في موقع واحد، وبقانون واحد، فالحركة الإسلامية ليست حزباً سياسياً في مواجهة الحزب الشيوعي مثلاً، ولكنه تيار إسلامي في وجه الماركسية اللينينية كلها!! تدخل الحركة الإسلامية معترك التنافس السياسي عبر ذراعها المؤتمر الوطني «الحزب المسجل» وعندما تمارس وظائفها الاجتماعية أو الدعوية أو الثقافية فإنها قطعاً تنشئ منظمات وهيئات حسب الحاجة لتحقيق الأهداف النوعية والمرحلية، وتقوم بتسجيلها لدى الجهات المختصة، وتدعو الحادبين للمشاركة فيها دون حتى التقيد بشروط عضويتها ما وافق الآخرون على أهدافها وبرامجها وأهدافها الواردة. إن الحركة الإسلامية السودانية التي تأسست في النصف الأول من القرن الماضي، قد مرت منذ ميلادها بتطورات مهمة وخطيرة، تخطت فيها لحظات التعبير عن الذات، وإثبات الوجود والجهر بهويتها الإسلامية بجرأة، في وقت كانت فيه هذه الهوية تمثل في وسط المثقفين وطلاب الجامعات، سباحة ضد تيار الحداثة والمعاصرة، وعبرت الحركة الإسلامية السودانية مرحلة المخاض والولادة في تلك الفترة، رافعة شعارات التوجه الإسلامي متصدية للتيارات الإشتراكية والشيوعية بصورة قوية، ثم برزت بصورة علنية نشطة عند ثورة اكتوبر 1964م فخاضت ميدان التنافس السياسي المفتوح في مجتمع غارق في الأمية الأبجدية... أسير للطائفية الحزبية... يمارس التدين الفطري عبر الطرق الصوفية، ولم تكن شعارات «الإسلام دين ودولة» معروفة أو مطروحة.. ثم عظم كسب الحركة الإسلامية في مجال الطلاب والشباب والمرأة خصوصاً، فتمكنت وتقدمت عبر هذه الفئات، مع مرونة الطرح وتجديد الخطاب وإجازة فقه المراحل مع النمو والتأقلم مع كل الحقب الديمقراطية والعسكرية، حتى سنحت لها الفرصة فسيطرت على مقاليد الأمور في البلاد في صبيحة الثلاثين من يونيو 1989م بقيادة العميد- آنذاك- عمر حسن أحمد البشير، لتصبح بذلك أول تنظيم حركي إسلامي معاصر يفلح في ترجمة فكر وأشواق أعضائها إلى واقع، وتصبح دولة تمشي على رجلين ثم تستعصى على كل محاولات التركيع والإنكسار داخلياً وخارجياً رغم تكرارها، وتستعلى على التحديات والمكر الإستعماري الدولي رغم تعاظمه.