أخشى أن يكون عدد المتسائلين عن ماهية ووجود الحركة الإسلامية قد يزداد كلما اقترب ميعاد انعقاد مؤتمرها العام الثامن في نوفمبر المقبل، هذا المؤتمر الذي سيكون سريًا/علنيًا كالعادة لن يجيب عن أسئلة القواعد التي تلقفها الحزب الحاكم باسم الشريعة والعدالة والتنمية، فمن دخل المركز العام وتمسّح بالمسوح الحركية حتى وإن كان ولاء عامًا فهو «كوم» المؤتمر العام المقبل طالما هو من قوم «نعم» فالحركة الإسلامية هي المؤتمر الوطني في إدارة الشأن الداخلي الذي هو عبارة عن لقاءات سنوية لأناس يجمعهم العمل السياسي ك«مؤتمرجية» والتنفيذي ك«مسؤولين بالدولة» والتشريعي ك«أعضاء بالبرلمان»! فهم يلتقون ربما في اليوم عدة مرات لكن بوجوه وصفات مختلفة وهذا هو أس الأزمة وهو الاشتباك بين وظائف الحركة والحزب والدولة، هذا الاشتباك هو الذي صنع الأزمة والربكة البنيوية التي تعتري جسد الحركة الإسلامية فعضو الحركة يحمي منصبه في الدولة بصفته القيادية في الحزب وعضو الحزب يتسلق للقيادة في الدولة باسم الحركة وموظف الدولة يفعل ما يريد تحت لافتة مصلحة الحزب وكذلك الحركة. حتى بعد العام 1989م بقليل كانت الحركة الإسلامية كياناً ملموساً له أدواته ودُوره وهياكله إلى أن حدث ما قيل إنه حل ضمني للحركة وذلك حين جمع الشيخ حسن الترابي ثُلة من كوادر الحركة ووزع عليهم مصاحف عليها عبارات شكر على مجاهداتهم وابتلاءاتهم في سابق الأيام، بعد ذلك تحولت الحركة إلى شعارات وبرنامجها إلى روح ليحل محلها حزب المؤتمر الوطني الكيان الجامع والذي أدخل كوادرها داخل «عوامة» بها مختلف أهل السودان بكل مشاربهم وخلفياتهم، ومنذ ذلك الوقت حدث تنافس وتنافر بين الإسلاميين البدريين ومن سُموا ب«المؤلفة قلوبهم» من المستقطَبين من الأحزاب الأخرى وبقايا الاتحاد الاشتراكي والتكونوقراط ورجال القبائل بعد انتشار فقه البيعة في السنوات الأخيرة. في المؤتمر الصحفي الذي أقامته اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الثامن كان الدكتور إبراهيم أحمد عمر يناور ويصنع لنفسه مواقف ضيقة ومحرجة ويخرج منه «بالجلالة» وكل ذلك بسبب التعويم الذي حدث لتنظيم الحركة الإسلامية والذي يحاول أن ينكره ككثيرين فهو يعلم بالضرورة أنه لا توجد مكاتب قاعدية للحركة الإسلامية فالواقع أن المؤتمر الوطني يستخدم الاسم في طرحه على مستوى الجامعات والمدارس الثانوية فقط لكن غير ذلك ليس هناك حركة إسلامية وإنما لافتة للتضليل السياسي فكل جهدها على صفحات الصحف فهي «تهنئ، تبارك، تنعى، تدين، تشيد» وتعكس كل ما يخدم أهداف الحزب السياسية والتعبوية، ولذلك لا غرو أن يستمرئ الحزب سلوك أن يعبئ قواعده باسم المشروع الإسلامي عندما يفتقد لأدوات الاستنفار وذلك في أوقات الحرب والأزمات الطارئة. في ذات المؤتمر آنف الذكر قال الدكتور إبراهيم أحمد عمر إن عضوية المؤتمر الشعبي لا ينتمون للحركة الإسلامية، وهذه عبارة غير موفقة كان الأولى أن لا تأتي من رئيس مجلس شورى الحركة، لأن كل منسوبي التيار الإسلامي العام في السودان حتى وإن اختلفوا مع الشيخ حسن الترابي فإنهم موقنون بأن «لحم أكتاف» الحركة من خيرو ولا ينكر ذلك بالداخل إلا عاق وناكر جميل وبالخارج إلا مكابر أو مغيَّب، ولذلك اختلافه ومنسوبيه مع أهل السلطة لا ينبغي أن يجعلهم يحتكرون الاسم والفكرة على من قال «نعم»، فإسقاط العضوية عن منسوبي المؤتمر الشعبي على إطلاقهم لن يخدم الحركة الإسلامية ولن يخدم جهود الوفاق والتصالح بين المؤتمرَين خصوصاً أن أول رد فعل من المؤتمر الشعبي أن قال متحدثه «لا يشرفنا الانتماء للحركة الإسلامية التي تنتمون إليها» وكذلك هذا التصريح سيُجهض المساعي والمبادرات التي يقوم بها المجاهدون الذين قدموا من قبل مذكرة الألف وما زالوا ينظمون أنفسهم اجتماعيًا وتعبويًا ضمن مجموعة «سائحون» على موقع الفيسبوك وذلك لتنظيم حراك إصلاحي من ضمن أهدافه تحجيم الوجوه القديمة التي أقعدت التنظيم الإسلامي وتقديم رؤية جديدة لتصحيح مسار الحركة. من أغرب ما جاء على لسان البروف إبراهيم غير طرد المؤتمر الشعبي من الحركة أنه قال: إن الحركة الإسلامية لم ولن تسجل لأنه لا توجد جهات يتم فيها تسجيل الكيانات المشابهة لها وعندما توجد هذه الجهات سيتم تسجيلها! ولا يفوت على فطنة المتابع أياً كانت درجة وعيه أن هذا التصريح ينطوي على مراوغة من السؤال حول شرعية الحركة داخل الدولة وهروب من تفسير وضع الحركة كحزب سياسي أو تجمع نخبوي أو كيان اجتماعي، وقد طالعنا قبل ذلك الدكتور كمال عبيد في حوار تلفزيوني يشبِّه الحركة بالطريقة الصوفية ليوحي التصريح بأنها شأنها شأن التجمعات العفوية التي تلتف حول فكرة أو دعوة معينة لتكون تيارًا مجتمعيًا، وقد ورد في دستور الحركة الإسلامية أن: الحركة هي جسم سياسي وفكري ذو أهداف يسعى لتحقيقها وله حزب سياسي على أن تكون الحركة مشرفة عليه. في الاجتماع السابق لمجلس شورى الحركة «التي لم تسجل ولن تسجل» والذي كان سريًا وتغير مكان انعقاده أكثر من مرة وقد حضره ضمن 300 عضو قيادي بالحركة السيد رئيس الجمهورية وأجاز دستور الحركة «قبل أن تسجل» وقرر قيام المؤتمر العام واختيار أمين عام جديد، وكذلك ناقش ضرورة تقوية الحركة «نفس الحركة» وإحكام حلقات التنسيق بين الأجسام الثلاثة «الحزب والحركة والحكومة» عبر جسم تنسيقي يضم مؤسسات منتخبة تشمل ممثلين لرئاسة الجمهورية والحركة والحزب والأجهزة التنفيذية ذات الصلة، وهذا الكلام نقلته بالحرف من مسودة توصيات المؤتمر، لكن في نفس المؤتمر كان تصريح الرئيس تصريحًا لافتاً فقد قال إن: «الحكم والسياسة أفسدا الكثير من عضوية الحركة الإسلامية وإن قضايا الحكم والسياسة شغلت أعضاء الحركة عن الهدف الجوهري المتمثل في بناء دولة الشريعة» مما يعني أن المؤتمر الوطني الذي هو أداة لتنفيذ سياسات الحركة الإسلامية قد أسهم في إفساد عضويتها وجعلهم يحيدون عن هدفهم الجوهري وهو بناء دولة الشريعة ففي ظل حكم المؤتمر الوطني صارت فكرة ما يسمى بالإسلام السياسي أو «الصحوة الإسلامية» غير قابلة للهضم لدى جموع الشعب السوداني بسبب سياسات المؤتمر الوطني الفاشلة والبعيدة كل البُعد عن روح الإسلام وتعاليمه.. بقي أن نقول إن سعي المؤتمر والحركة إلى استمرار لعبة تبادل الأدوار بينهما ينبغي أن يكون له حد لأن عبارة «جسم تنسيقي» التي وردت في توصيات إجتماع مجلس الشورى تظل عبارة استهلاكية فارغة إن لم توضح آلياتها وسبل تنزيلها على أرض الواقع، فيجب أن يكون المؤتمر الوطني أداة حقيقية لتنفيذ أجندة حركة إسلامية «حقيقية» مفتوحة للجميع تستمد أجندتها من السماء وتدافع عنها قاعدة جماهيرية واعية تعرف ما لها وما عليها وتمارس حقها في التقويم والتقييم، هذا فقط هو ما يضمن بقاء الحركة الإسلامية إن عصفت المتغيرات السياسية بحزب المؤتمر الوطني الذي يعمل الآن على تنمية عوامل فنائه بهمة عالية لأنها حينها ستكون حراكًا إجتماعيًا وإسلاميًا حقيقيًا لا يضيرها إلى من تذهب السلطة وإنما سيكون شاغلها إلى أين ستوجه جماهيرها في مرحلة ما بعد المؤتمر الوطني هل لبناء حزب جديد بأسس جديدة؟؟ أم ستعود الحركة لأسلوب السبعينيات الذي يعتمد على العمل السري والتنظيمات التي تكون الظل؟ وكل ذلك يحدده شكل ونوع النظام الذي سيخلف الوطني هل سيكون منفتحاً وديمقراطياً يهمه مصلحة البلاد أم شمولياً انتقامياً يهمه فقط أن يصفي حسابه ولو على حساب الوطن ومستقبل العملية السياسية في السودان؟..