مبادرة الذكر: قدم المهندس الشيخ الصافي جعفر، بحثاً هادئاً صافياً عن فن التعايش عند أهل السودان، وقد قدم بحثه هذا في عدة منتديات منها.. المركز الصحافي السوداني- في منزله العامر- في مركز راشد دياب- في جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا لطلاب السنة الأولي إدارة أعمال في ضيافة الأب الدكتور فيلوثاوس فرج، الذي يدرَّس أولئك الطلاب مادة الدراسات السودانية. وتهدف دراسة الصافي جعفر إلى تأكيد أن المؤمنين يتعايشون، وأن الله خلقهم في هذا التنوع لكي يتنافسوا في إرضاء الله، وليس لكي يتصارعوا، وتقوم الدراسة على عدة محاور، أولها التنوع والتعدد، الموجود في عالم الكون وفي الكون وعالم الإنسان وفي حركة التاريخ بين الصراع والتدافع، وأقدم لكم في هذا المقال المحور الأول فقط، كما كتبه وشرحه الأمين العام للذكر والذاكرين، وهو يتحدث حديثاً شجياً، مؤكداً ما يقول من القرآن الكريم، ومن إرادة الله الذي شاء فجعلنا نحيا معاً علي أرض السودان، المتعدد الثقافات والأديان والأعراق، والسودان متنوع متعدد- وهو كثرة في وحدة- ومبادرة الإصلاح التي يقودها الصافي جعفر تطلب منا أن نقتنع برسالتنا في الحياة، وأن نتدافع لتأدية هذه الرسالة. سودان التنوع: وفي المحور الأول يقول الصافي جعفر بأن التنوع هو سمة أساسية من سمات هذا الكون، وإذا كانت ممالك الحياة أربع.. الإنسان والحيوان، والنبات، والجماد، فإن هذه الممالك الأربع من أهم صفاتها التنوع والتعدد الذي يقود إلى الوحدة وليس إلى الإنقسام. قال تعالي: 1.«.. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ» فاطر الآيات27-28. وهذا التنوع يقود إلى وحدة هي«الكون» فنحن أمام تعدد يقود إلى توحيد أو كثرة في وحدة. .2 عالم الإنسان: هذا التعدد شمل الإنسان المتعدد الخصائص، والذي يتكون من كمية من الأعضاء، العروق، العصب، كلها ذات خصائص متفردة، ولكنها تكون الإنسان الفرد، وكل إنسان وحدة قائمة بذاتها لا يشبهون بعضهم. والقرآن إعترف بهذا التباين، ولكن هدانا لأن يكون هذا التنوع مجالاً للتمازج والتعارف، وليس المقاطعة والتعارك قال تعالي:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» الحجرات13، قال تعالي: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ» الروم22، وقال تعالي: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً»النساء1، كيان واحد أتسع إلى كيانين«زوجها» ثم اتسع فشمل كل أطياف البشرية. 3. حركة التاريخ بين الصراع والتدافع: صراع الطبقات: هذه نظرية تفسر حركة الحضارة كلها علي أساس أن الحياة مسرح صراع، البقاء فيها للأقوي، وهي نظرية لها سلبياتها، وتناولها الباحثون بالنقد والتجريح، وتبنتها المدارس اليسارية. جدلية التدافع: وهذا هو تفسير القرآن لحركة التاريخ، فهو تدافع وفَرْقَ بين الصراع الذي يقضي على الخصم ويمشي على جسده وبقاياه، وبين التدافع الذي يعترف بالآخر ويتنافس معه، وقد طرح القرآن هذا التصور عندما تتناول حركة الحياة والبشر قال تعالي: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة251، فصلاح البشرية كامن في سنة التدافع بين قوي الخير والشر وهو تدافع قدره الله(دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) وبذلك هو من فضل الله علينا. والمجتمعات التي لا تدافع فيها مجتمعات آسنة راكدة متعفنة، غير أن الحيوية والحراك ينتجان عن هذا التدافع. وحتي في مجال صعود الأديان علي مر تاريخها ومسمياتها كان هذا الصعود بسبب التدافع قال تعالي: {وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» الحج40... وتاريخ التدافع عريق قديم في حياة البشرية، فقد بدأ مع آدم عليه السلام، وهو في خضراء الجنة بينه وبين أبليس، إلى قيام الساعة، والتدافع هو الذي يفجر الإمكانات الكامنة، ويشحذ الهمم والغرائز، ويوقد الذهن. ويؤكد الشيخ الوقور الصافي أن الله هو ضابط الكل، وهو الذي خلق التنوع والتعدد، وهو الذي يدفع الناس في منافسة شريفة للإلتزام بمبادئ الروح وقبول الآخر، والحماس نحو القيم، حتي تظل كنائسنا وجوامعنا يذكر فيها اسم الله كثيراً، وتقرب الإنسان الخالد إلى عالم الروح القدسي المجيد.