بين الدكتور طه جابر العلواني " أن التعددية يمكن التعامل معها في الإطار المعرفي كما بيّن بعض المبادئ التي تعتبر من المسلمات منها:أنه لايحق لجماعة مهما كانت أن تدعي امتلاكها الحقيقة الكامالة لأن العلم البشري محدود كما أنه لايحق لأحد بادعائه امتلاك الحقيقة أن يفرض رؤيته على الآخرين أو أن يحدد لهم الإطار والطرق التي يتحركون فيها لأن الله جعل وسيلة التدافع بين الناس هو الحوار الذي يؤدي الى التعارف والاحترام المتبادل والفهم واتخاذ المواقف عن قناعة وإيمان وذلك لأنّ البشرر بفطرتهم الطبيعية متنوعون متباينون وتبعا لذلك فهم في حياتهم الدنيوية واختياراتهم البشرية ومصادرهم المعرفية وثقافتهم المكتسبة مختلفون . رفض الدكتور "العلواني "التّعددية" مصطلحا باعتبارها واجهة معبرة عن نسق معرفي وحضارة مختلفة ترتكز على معطيات مادية تجعل من الصعوبة علينا اسقاط هذا المفهوم المادي على وعينا وواقعنا وقناعاتنا ولذلك اقترح مصطلح "التنوعيّة" مصطلحا عربيا إسلاميا حيث له أصوله الفلسفية وجذوره المعرفية في معتقدنا وحضارتنا ومبادئ ديننا لأنّ القرآن الكريم يحدثنا أنّ الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون متنوعا والانسان الذي سخّر له هذا الكون كذلك "ألم تر أّنّّ الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدّواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إ ّنما يخشى الله من عباده العلماء إنّ الله عزيز غفور" فالقرآن الكريم يقّّرّر التنوع البشري في الأمور والقضايا التي يكتسبها الانسان وكل يعمل على شاكلته والله سبحانه وتعالى يوجه رسوله الكريم أن يستوعب هذا التنوع ويتعامل معه باعتباره واقعا بشريا وقناعة فطرية انسانية تجعل البعض يختار الإيمان بينما يختار البعض الكفر والإلحاد "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " فالبناء الكوني للوجود والسنن الإلهية فيها جعلت هذا التنوع أمرا طبيعيا يعزّزه كثير من الآيات التي تقرره وتقرّر أن التنوع لاينفي وحدة الأصل والمصدر. وإذا كان التنوع في مجال الكون الطبيعي موجها نحو تسخير هذا الكون للإنسان المستخلف في هذه الأرض وظيفة فإنّ التنوع الإنساني موجّه نحو التّعارف الذي يؤدي عن طريق الحوار الى التآلف والتآلف يؤدي الى التآخي وهو بدوره يؤدي الى التعاون على الفعل الحضاري الموصوف بالبر والتقوى ومن خلال هذه المفاهيم يسهل عملية الوصول الى الأصوب من الاجتهادات والأفضل والأحسن في إطار الاجتهاد المتصل بالإطار المرجعي والواقع كما يقول الدكتور "العلواني" فمدخل التنوع مدخل بنائي له وظائفه المتعددة وليس مدخلا وقائيا لاستيعاب القول دون عنف وتحقيق التوازن بينها. ويرى الدكتور العلواني أنّ القرآن الكريم استعمل كلمة ألتّأليف" ولم يستعمل كلمة"وحّد" لأنّ الفرق بينهما كبير "الّف بين قلوبكم"فألّف تعني الجمع بين أشياء مختلفة رتّبت ترتيبا أمّا "وحّد" فتعني أنّه جعل الشيئ واحدا فالتأليف وهومن نتائج التنوع من شأنه أن يحافظ على ذاتية العناصر المتنوعة التي تمّ التأليف بينها وهو الذي يحافظ عليها فتتفاعل مع بعضها دون نفي لأيّ منها والواحد ينفي الجزئية ليحقّق الاندماج في الكل وبالتالي ينفي أو لايعترف بوجود عناصر أخرى لها ذاتيتها وكيانها ‘ فالإسلام ألّف بين القبائل العربية وحفظ لها ذاتيتها ووظّف تلك الذاتية في خدمة الرّسالة وبنى أمة العقيدة المرتبطة بالقرآن والمتميزة عن سائر الأمم بالتّواصل الزمني والقدرة على استيعاب التّعدد والتنوع الجماعي كما تقول الباحثة يمنى ابو الفضل في بحثها"الأ مة القطب" ويستعرض "العلواني" حالة التفكك والتمزق في الأمة الإسلامية التي فقدت عوامل التماسك التي كانت تبقي على كيانها طوال قرون مضت وفي هذه الحالة من التفسخ والتمزق طرح النظام العالمي قضية "التّعددية" لتكون تحديا جديدا في سلسلة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي فهم يطالبون العالم الإسلامي أن يوضح موقفه من التّعددية في إطار المقاربات أو المقارنات مطالبين بسلسلة من الفتاوى حول الرّدة وأحكام المرتد والحدود والتعازير وحقوق الإنسان ومعاملة غير المسلمين وحقوق المرأة والجهاد والمجتمع المدني على طريقة"إن وافقني فقد كذب وإن خالفني فقد أخطأ " كل ذلك دون اعتبار للأنموذج المعرفي الذي يراد معالجة هذه الأمور منهاوالنهجية المعرفية التي يجري تداولها وعائد هذه المعالجات بهذه الطريقة الجزئية على عملية إحداث الوعي وبناء الأمة . إننا نحتاج لمعالجة إشكالية التعددية الحزبية والطائفية والعرقية في الوطن العربي كما يقول "العلواني "الى أن نحدد الإطار الذي نعالج فيه هذا الموضوع هل في إطار الموقف الفكري والحكم الفقهي الإسلامي لنصل الى بعض الفتاوي والاجتهادات؟ أم في إطار الواقع التاريخي الإسلامي؟أم سنستوردها من إطار المرجعية الغربية المهيمنة التي أقمنا عليها نهضتنا وديمقراطيتنا وشخصيتنا ثم اكتشفنا أنها لاتصلح في أرضنا لأنها تفقد شروط نجاحها ومقومات بقائها وارضيتها. الدكتور "العلواني " يدعو للتنوع مصطلحا وأساسا ولكنه يطلب أن نجد صيغة ملائمة للتعبير عن هذا التنوع وأن نفرق بين المفهوم الغربي للتعدد المكرس للتجزئة والتمزيق والمفهوم الإسلامي الداعي للتنوع ضرورة للتآلف والتعرف والتعاون. Dr Abbas Mahjoob [[email protected]]