كعادته المبهجة يسر لنا رجل المجتمع المعروف المراسمي الراشد السيد نديم عدوي جلسة خاصة أقامها احتفالاً بزواج شقيقه الدكتور علي عدوي شدا لنا فيها عوض الكريم عبد الله بذات الصوت الذي شكل وجداناً جمالياً داخلي منذ أن التفت باكراً لجهة الطرب. صوت عوض الكريم مزجة من عطر ورخامة وفضاء يتسع لكل السموات، الفته مطالع السبعينيات، ثلاثون عاماً من الطرب الصافي غير المخلوط بما يمج. جدي العزاز الجيدو قزاز هل سمعتم هذا بتقطيعات وترجيعات وبحة عوض الكريم كنت أستمع لهذا اللحن في حفل في بدايات السبعينيات كان ينغمه عوض الكريم، أذكر كان يرتدي جلباباً ناصع البياض وينقر على (الرق) وهو أنوف وشامخ و(متقعد) وكان شلخه ال(T) يمنح اللحن طقسه ومناخاته وكنت ألمح حسناء في الحفل مشلخة تي كان شلخها يتموج مع اللحن وأنا أطرب و(انظر) في اللحن و(استمع) للشلخين. ظلت هذه الصورة في ذهني لسنوات طويلة إذ سبحان من يجعل للوشم صوتاً وللصوت استحقاق. وهل سمعتم عوض الكريم يغني (في رونق الصبح البديع.. طير يا حمام واسمعني ألحان الربيع) كلما استمعت لهذه القصيدة بصوت عوض الكريم أحس أنه يمنح الحرف لحناً ويعطي الصبح الإشراق والحمام مهمة المرسال والربيع فوحه الفواح.. حتى يبلغ اللحن ذروته ب(هي والنسيم في معاندة) صوت عوض الكريم حفيف جيد التقطير كراح طويل العتق يزغرد في الرأس بالنشوة ويترك فروة الرأس لحذر شفيف، صوت يجمع في ثناياه بين النسائم والبرق، له طباع الحمام وخصال الموج وخصائص الجاذبية. استعدت في تلك الجلسة المراسمية التي أشرف على تدبيجها نديم عدوي كل شجوى مع عوض الكريم وسعدت بلقاء البروفيسور قرمبع الذي يظفر وحده بكل عوض الكريم (قيدومات ومقيل) وضمت الجلسة كافة (الملتزمين) بمهمات الفرح والتماهي في نصوص الحياة الخلاقة وعوض الكريم يلسعنا بعسل التطريب. نعم كنت أتذوق عسلاً في لساني كلما غاص عوض الكريم في اللحن واستقطر من النحل عسل الطرب الذي يشفي أرواحنا المسحولة بالغربة والحزن وغيوم المنافي. سألت عوض الكريم عن صداح آخر أنزوى طويلاً ابن خاله عبد الله محمد صاحب (هوي يا ليلى) التي ارتبطت بخاتمة مسك (السودان القديم) فأحزنني رده بإفادته بأن عبد الله قد ترك الغناء. لم أسأله عن جديده وعن ألحانه فعوض الكريم ماعون الحقيبة وحده، وليت الدكتور منصور خالد الذي أنجز كتابه عن حقيبة الفن ويزمع تسجيل كل أغاني الحقيبة في (سي دي) مرافق الكتاب يعطي عوض الكريم هذه المهمة فهو الأقدر على سكب العطر الكافي لكتابه الشافي.