كانت القارة الأفريقية موضعاً للتنافس بين الدول الكبرى لعهود طويلة، فقد بدأ الاحتكاك الأوربي بأفريقيا عن طريق المستكشفين، والتجار، والبعثات التبشيرية منذ القرن الخامس عشر، حيث أبحرت السفن البرتغالية الى سواحل غرب افريقيا، وأنشأ البرتغاليون عدداً من الحصون الساحلية مارسوا من خلالها تجارة مربحة في الذهب والعاج والعبيد، وشارك فيها تجار هولنديون وبريطانيون وفرنسيون، حيث كان التجار الأوربيون ينقلون العبيد الأفارقة عبر المحيط الأطلسي للعمل كمزارعين في الأراضي الأمريكية، ثم تنقل المحاصيل الزراعية من هناك الى أوربا. وفي أواخر القرن التاسع عشر تدافعت القوى الأوربية للسيطرة على القارة الافريقية، فيما أطلق عليه «التكالب الاستعماري على افريقيا»، والذي كرسه مؤتمر برلين عام 1884م بوضع القواعد العامة لتأسيس مناطق الهيمنة للقوى الأوربية الرئيسية «بريطانيا- فرنسا- بلجيكا- ألمانيا» في القارة الافريقية، وقد أدى ذلك الى استنزاف موارد افريقيا الطبيعية وتوجيهها الى خدمة الاقتصاد الاوربي. وفي أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي بدأت الدول الأفريقية تحصل على استقلالها تباعاً، ورغم تراجع أهمية ومكانة القوى الأوربية التقليدية التي كانت تسيطر على افريقيا، ودخول لاعبين جديدين قويين هما الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي السابق في القارة من غير بوابة الاستعمار الكلاسيكي الكولنيالي، فقد استمر بل وتصاعد التنافس الدولي في القارة، وكان من افرازات ذلك دخول دول القارة الافريقية في سباق محموم للتسلح، أهدر موارد القارة وتسبب في الكثير من الحروب التى أطاحت بالأمن الاقليمي. وبالطبع لم يكن هذا السباق موجوداً إبان فترة التحرر الوطني من الاستعمار، إذ كانت تسود في القارة آنذاك ايديولوجيا التحرر التى أثمرت منظمة الوحدة الافريقية عام 1963م، ولكن بعد دخول اللاعبين الجديدين المذكورين اندلع سباق التسلح في القارة، خاصة وأن الدول الافريقية «المستقلة» كانت تعاني من معضلات أمنية واقتصادية تجعلها في موقف اعتماد دائم على الدول الكبرى. وتهدف هذه الفذلكة التى أشرنا اليها للعديد من الإشارات التى تؤكد أن حكومة الجنوب السوداني- ومن قبل الانفصال- أن تعمل بكل امكاناتها الى تكدس السلاح باستمرار، فعائدات البترول الكبيرة التي كانت تحصل عليها جوبا لا تذهب الى التنمية والخدمات، وإنما الى شراء الأسلحة، وتجدر الإشارة هنا الى أن السفينة الأوكرانية المحملة بالأسلحة والتي اعتدى عليها القراصنة الصوماليون، كانت وجهة حمولتها هي جنوب السودان «قبل الإنفصال»، كما تجدر الإشارة الى زيارة رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت الى واشنطن مؤخراً، في ظل الحديث المتواتر والرائج عن بناء قاعدة عسكرية أمريكية في جنوب السودان، وإنشاء مقر لقوات الأفريكوم الأمريكية للتدخل السريع في افريقيا بأراضي دولة الجنوب، هذا بالإضافة الى زيارة سلفاكير «التاريخية» لتل أبيب في ظل ما هو معروف عن علاقات التعاون العسكري بين اسرائيل والحركة الشعبية، وخاصة في مجال التسليح والتدريب، وذلك قبل اتفاقية «نيفاشا»، ولا شك أن هذا التعاون سيتصاعد الى الذروة في الفترة المقبلة، خاصة في ظل مغامرات جوبا العسكرية الطائشة ضد السودان، والتى تجد تشجيعاً ودعماً من واشنطن وتل ابيب. نواصل..