تخرج من شرنقة الليل وأنت ترتدي عباءة الصمت ، تتمطى مثل ضفدع خارج للتو من رحلة البيات الشتوي ، كل الكائنات في الصباح تحتسي قهوة النسيم ، لكن وحدك تركض في مسار آخر ، مسار يخصك وحدك هو مزيج من الصمت ، الحزن والأمل ، هذا الثالوث كان رفيق رحلتك الصباحية . تركن سيارتك في موقف ظليل ، ترسم المشهد في ذاكرتك الغربال حتى لاتنسى الموقع في آخر اليوم حينما يكتب الليل روشتة حضوره البهي ، طبعا لاتنسى الطقس الصباحي الذي أصبح وصمة في بؤبؤ عينيك تخرج محفظتك وتعلق بطاقة العمل على صدرك ، تتآكل صورتك في البطاقة لا تتذكر متى وأين جرى إلتقاط تلك الصورة لكنها على كل حال تمثل مشهدا عشوائيا بشعرك المنكوش وعينك الزائقة مثل قط أوقعه سوء حظة بين أيدي صبية ملاعين . ثمة هواجس كثيرة ترتمي على عتبة يومياتك ، تشعر بأنك أحمق حد التلاشي حينما تتذكر أغنية تتحدث عن الأصدقاء والغربة والشتات وعودة الإنسان من رحلة الغربة ، وهو مثل شجرة خاصمتها المواسم ، تضحك في تلك اللحظة الماحقة مثل معتوه جرى ضبطه يتبول على قارعة السوق ، قبل أن تضع يديك اليمنى على ماكينة البصمة اليومية للدخول إلى العمل تلقي التحية على عامل كالح الوجه كان يسقي الأشجار ويترنم بمقطع أغنية لا تعرف تفاصيل كلماتها ، أغنية ربما تتحدث عن السفر ، الفراق ، الحزن وخصام الأحبة لا أدري ، لكنها على كل حال أهزوجة يتسلق أعصابها الشجن . وكل يغني على ليلاه ويا ويلآآآآآآآه . في الصالة الكبرى الممتدة مثل رمل بلا مدى كانت تسترخي مئات المكاتب وأجهزة الحاسوب ، ونتف من أوراق ومطويات لأعلانات فائقة النكهة عن الفتوشوني ، الخبز بالجبن ، التشيز كيك وبيتزا البيروني . تجلس على مكتبك يأتيك الساعي محمد دلوار وفي وجهه نصف إبتسامة لا تفارقه حتى في لحظات هوجة العمل ومطالبات الزملاء التي لا تنتهي ، يضع أمامك مجموعة الصحف اليومية ، ويتفاني في وضع كوب الشاي الأخضر في موقعه المعتاد ، تتذكر أنك مدمن على الشاي الأخضر ، بدون إضافات سوى قطرات من الليمون ، هكذا يؤكد الطبيب الأمريكي من أصل تركي محمد اوز أن قطرات الليمون في الشاي الأخضر تحافظ على الذاكرة وتجدد الخلايا والذي منه ، تكتم ضحكة ذات ضجيج بين أضلاعك الراجفة من برودة التكييف في الصيف اللاهب تتذكر أن الضحكة عزت في زمن عز فيه كل شيء ، وأن وعاء ذاكرتك أصبح مخروما مثل غربال تم الإستغناء عنه في سوق الوقت . تجلس أمام جهاز الحاسوب الخاص بك ، تفتح الشاشة العريضة تركض بعينك المجهة في شريط الوكالات ، تنتهي الرحلة ببساطة حينما تشعر بغمامة من الحزن تجثم على صدرك ، تبحث عن طحين الوقت وتفتح نافذة « البراوزر « لإستقبال المواد الهاطلة وتترنم في سرك بإغنية عن الصيف والأصدقاء والأحبة والزمن الجميل ، وتستفيق مع أول رشفة من قهوتك الصباحية المرة مثل مرارة الناس في هذا الزمن الرديء .