وكانت الشقيقة الاردن هي الدريئة العربية التى تتلقى اقسى الضربات الموجعة، طوال مجريات الصراع العربي الإسرائيلي، وظلت الحاضنة الرؤوم للآجئين الفلسطينين الهاربين من سعير الصهوينية، حتى كاد يغلب عليها ديموغرافياً- الطابع الفلسطيني، بل وأدى ذلك إلى صراع كان مخصوماً على القضية المشتركة، وهنا تقفز إلى ذهني تلك المبادرة السودانية ، التى تمثلت في ذهاب الرئيس السوداني الأسبق الراحل جعفر النميري ، إلى خطوط النيران (الصديقة) بين الجيش الأردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية في (مغامرةٍ) لرأب الصدع بين الطرفين الشقيقين، وما كان ذلك إلا لأن الجميع (في مؤتمر القاده) كانوا يدركون مدى عمق العلاقة الأخوية بين الأشقاء في الأردن، وعلى رأسها لقمان العرب جلالة الملك الراحل الحسين وبين المقاومة الفلسطينية ! وعلى الرغم مما شاب تلك العلاقة من شوائب، مثل (أيلول الأسود) ونحو ذلك، إلا أن الأردن الشقيقة ظلت على الدوام وفيةً ومخلصةً للقضية الفلسطينية، كقضيةٍ مركزيةٍ للعرب، وقضية أساسية للمسلمين، وقضية إنسانية للبشرية، وبذلت في ذلك أبهظ التكاليف والأثمان، حتى الشُّح في مياه الشرب لإنسانها! ونحن المسلمون وكعرب لن ننسى للإخوة في الاردن الشقيقة ان مقدساتنا في القدس الشريفة كانت على الدوام في حماية ورعاية الاردن، سواء أكانت مسيحية أو اسلامية، ولنتذكر هنا أن التصريح وإن كان مفبركاً- من جانب القوى الإستعمارية في مؤتمر السلام عقب الحرب الاوربية الثانية، قد نص في المادة السادسة على أن(الأماكن المقدسة يجب أن تكون تحت سيطرة المسلمين) والأماكن المقدسة المذكورة هى أساساً في القدس، وهى ما بين أماكن اسلامية ومسيحية، ومنذ عهد سيدنا عمر بن الخطاب كانت في حماية المسلمين الذين حافظوا عليها ولم تمس شعرة عدوان عليها سوى محاولات الصهاينة للإعتداء على المسجد الأقصى ! ومن مآثر الأخوة الأردنيين أنهم لم يحافظوا على المقدسات، وحسب وإنما دعموها بالمال والصيانة، وضربوا أروع الأمثلة للحفاظ على التراث الانساني، ويا له من تراث إنساني ثمين شكّلْ، وحتى الآن، حضارةً الإنسان إلى يومنا هذا! وعندما اعتدى أبناء صهيون على أرض الأنبياء واستولوا على الضفة الغربية لنهر الاردن المقدس، لم تستكن الاردن الشقيقة، وواصلت ما عليها من واجبٍ عربيٍ وإسلامي، وما زالت تواصل، حماية المقدسات في الأرض السليبة، وتبذل ما تبذل من مدخولاتها لصيانة تلك المقدسات وتحميها من أى تغولٍ واعتداء، وهى في ذلك ليست مجبورةً إلا بدواعي العروبة التى ورثتها من مؤسسيها، وبدواعي الحفاظ على نخاع الحضارة العربية الإسلامية التى ورثتها تالداً عن طارفٍ، وأصبحت هويتها التى لن تحيد عنها أبداً