مساء جمعة غاضبة وقبلها ليلة خميس أمضاها شباب الثورة في مشهد قل تكراره، هجمات وهجمات مرتدة، والشباب مدافعون عن موقعهم ميدان الحرية، موقعة الجمل آخر الكروت التي استخدمها العدلي وزير الداخلية، ليهدم عزيمة الإخوان التي أبت أن تنكسر، وهنا بدأت فصول القصة تتجلى، وبدأت الثورة تدخل حيزها، وخاصة عندما بدأت الدبابات في النزول إلى الشارع، وأخذت مواقعها في الميادين المهمة، وكانت أولى الوحدات العسكرية التي نزلت إلى الشارع من «الحرس الجمهوري» حيث توجهت على الفور وحاصرت مبنى الإذاعة والتلفزيون، ثم تبعتها وحدات عسكرية أخرى. عندما نزل رجال الجيش إلى الشارع المصري استقبلهم الثوار بالأعلام المصرية، وشارات النصر الذي أصبح يلوح في الأفق، وكانت المعانقات حارة بين شباب الثورة والضباط والجنود، وهذا من تخطيط الإخوان، وهي رسالة مفادها أن «الجيش والشعب يد واحدة»- كما كانت تطلق هذه الشعارات- والغرض منها تحيِّد الجيش وعدم جره إلى ارتكاب مجازر، بالرغم من المندسين من أنصار النظام، الذين حاولوا إثارة حفيظة الجيش، خاصة عندما أحرقوا عدداً من مركباته، وأضرموا النار في عدد من مدرعاته. لم يستعمل الجيش أي عنف مع الثوار بل اقتصرت مهمته في التمركز ونشر قواته التي قوبلت بترحاب وارتياح كبيرين من أبناء الشعب. ومع وجود الجيش شعر الشباب بالأمان، وكانوا شباب الإخوان يختبرون الجيش ببعض الأساليب، حيث قاموا بكتابة بعض الشعارات على مدرعات الجيش «يسقط حسني مبارك» «الشعب يريد إسقاط النظام»، «أرحل» ولم يتعرض لهم، ولم يقم الجنوب بمسح هذه العبارات، مما أكد لهم أن الجيش نفسه لا يرغب في حكم مبارك، ولا يرغب كذلك في الدخول في أي مواجهة مع الثائرين بميدان التحرير. وهنا نطوي فصول ومشاركة الإخوان في صنع الثورة إلى حصادها، حيث خطط الإخوان جيداً وقرأوا الساحة السياسية، وهم أكثر تماسكاً وأكثر تركيزاً على رئاسة الجمهورية، التي أصبح بينهم وبينها ساعات قلائل، حتى يخرج رجل بربط عنق ليقول أنا المتحدث باسم الجمهورية المصرية، وعلى وجهه لحية طويلة وغرة صلاة، ليرسم الطريق نحو الجمهورية الإسلامية المصرية، التي استشهد من أجلها الإمام حسن البنا، وسجن من أجلها آلاف الإخوان، إلا أن حصاده الذي زرعه أتى أُكله في مصر وتونس، وأصبح هشيماً تذروه الرياح في السودان والصومال.