قال بروفيسور عبد الرحمن أحمد الأزمة بين المؤتمر الوطني في السودان والحركة الشعبية بجنوب السودان أساسها ينبع من السياسيين في الجانبين نتيجة لبعض العداوات الشخصية بين قيادات الدولتين، وقال التعاقب الدوري لقيادات الوطني هو أساس لحل الأزمات السياسية واستبعد أن تكون عداوة الدول الكبرى للسودان لأنه يطبق الشريعة، وقال إذا كان تطبيق شرع الله يستوجب الحرب من أمريكا لكانت حاربت السعودية، وإذا كان تدين الشعوب يستدعي إقامة الحرب عليها فإن الشعب المصري أكثر تديناً من الشعب السوداني وأشاد بانتقاد وزير الخارجية لقيادات الوطني حول الخطاب الدبلوماسي وقال من حق وزير الخارجية توجيه بقية الأجهزة بما فيها مؤسسة الرئاسة لما يجب عليهم أن يصنعوا، و أوضح أن وزارة الخارجية تعتمد على الكوادر الأمنية التي تضحي وتعمل في أقسى الظروف نسبة لضعف ميزانياتها، وأشار إلى أن عمل هذا الكادر انحصر في رفع تقارير أمنية ولا توجد تقارير استثمارية ولا ثقافية. أعلنت الوساطة عن بدء التفاوض مع دولة جنوب السودان في الأسابيع المقبلة ولكن الحكومة تؤكد عدم جدوى التفاوض قبل الشروع في الترتيبات الأمنية وهناك حالة استعداد حربي من الجانبين، كيف تنظر لنجاح التفاوض في ظل هذه الأوضاع؟ - كل العمليات يجب أن تسير متزامنة التفاوض والمقاومة، ويجب أن تشكل كل الاتجاهات وأن نرد أي عدوان يأتي من قبل الجنوب ولكن لابد من التفاوض، فالحياة لا تصنعها الحرب ونحن مطالبون بالتنمية وهي لا تنشأ إلا في ظل السلام ولابد أن ندرك أن العلاقة مع جنوب السودان لابد منها لحياة السودان وبقائه، ونعي أن شعب الجنوب ليس الحركة الشعبية ولا حكومة الجنوب ونتلمس كل السبل التي تدعم العلاقات بين الدولتين، والأزمة بين المؤتمر الوطني في شمال السودان وبين الحركة الشعبية في جنوب السودان أساسها ينبع من السياسيين في الجانبين، فقد بدأت بينهما بعض العداوات الشخصية لذلك أرى أن التعاقب الدوري للقيادات هو أساس لحل الأزمات السياسية لذا يجب أن تتبدل الوجوه من داخل الوطني وخارجه، فبقاء المسؤولين والمفاوضين بذات الوجوه المكررة يجعل من الصعوبة حل مشكلة السودان الجنوبي وحل هذه المشكلة بين الدولتين أقدس من بقاء المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب، ناهيك عن تبدل الوجوه داخل المؤتمر الوطني والطريق الأفضل يجب أن يكون هناك تداول سلمي للسلطة داخل الأحزاب السياسية نفسها. البعض وصف الوفد المفاوض ب(المنبطحين)؟ - نحن مشكلتنا نتشدد حتى ننبطح، فيجب ألا ننبطح ولا نتشدد والوفد يجب أن يدعم من داخل الحزب وخارجه ويكون فيه عدد من الخبراء، فدولة الجنوب تؤمن جيرانها في المفاوضات دائماً وتدعم نفسها بالمستشارين والخبراء. وهل تتوقع نجاح المفاوضات في ظل سعي الحركة الشعبية إلى إسقاط نظام الخرطوم وتهديد المؤتمر الوطني بإسقاط نظام جوبا؟ - المشكلة بين الأشخاص أكثر من أنها بين الحكومات وأكثر من أنها بين الشعوب والسودان بوضعه الحالي والسلطات الحاكمة فيه لن يصلوا إلى حلول إلا إذا أوجدوا أنفسهم في تجمع يتولى التفاوض إنابة عن الطرفين، وهذا التجمع الذي نقترحه تجمع شمال شرق أفريقيا ويضم السودان وأثيوبيا وأريتريا وجنوب السودان ومصر ويكون الرابط الأساسي هو العمل على إرساء دعائم السلم والأمن والتنمية، وهمه الأساسي رفاه شعوب هذه المنطقة، لأنها شعوب عريقة في الحضارة ولكنها في هذا الزمان انحدرت في قائمة الترتيب الدولي إلى أدنى التجمعات والمناطق الأفريقية نماء، حيث أصبحت مصر رقم 113 من قائمة الدول، في حين أن البرازيل رقم 7 والسعودية 17 وإيران 18، بينما أثيوبيا 147 والسودان 169 وأريتريا 177 وجنوب السودان 196 في الترتيب الدولي. دول بهذا الترتيب المتأخر كيف تستطيع أن تقوم بمبادرات وتتصدى لقضايا إستراتيجية؟ - هذه المبادرات لابد أن يتبناها المجتمع المدني والنخب والصفوة المتعلمة، ففي هذا العالم لا يمكن أن يتم حل للمشكلات إلا في إطار التجمعات الإقليمية، ولننظر كيف نجح تجمع الاكوس في غرب أفريقيا الذي يضم نيجيريا وساحل العاج وسراليون والنيجر وغانا، فعندما نشأت الصراعات في ساحل العاج تدخلت الاكوس وزحفت بالجيش لترغم من تراه غير مناسب ليتنحى عن الحكم للحسن وترا الذي فاز بالانتخابات ومثلها تجمع جنوب أفريقيا وتجمع السادات بوسط أفريقيا ولكن لا يوجد تجمع في شمال شرق أفريقيا. لكن هناك تجمع «س/ ص» ؟ - ولكن لا يوجد تجمع لأهل هذه الحضارات، فهي من أوائل الدول التي بنت حضارات. مصر وأثيوبيا لم تقفا مكتوفتي الأيدي وقدمت كلاهما مبادرات ولكنها غير فعالة؟ - ليس الاتفاقيات الثنائية لأنها لا تحل المشكلة، فلابد أن تحل عبر تجمع ونحن اقترحتاه في جامعة أفريقيا وأخذته جامعة القاهرة والآن سيعقد مؤتمر عن هذا التجمع يوم 26- 28 والعلاقات السودانية المصرية منذ عام 1978م في تراجع والحقبة المباركية غير المباركة لم تقدم أي مساندة للسودان وقضايا السودان، أما علاقة مصر وأثيوبيا أيضاً في قطيعة، فمصر تعتقد أن أثيوبيا فيها إسرائيل التي تطمع في مياه النيل، وأثيوبيا ترى أن مصر باعت الشعب المصري كله لإسرائيل عندما عقدت صفقة الغاز، وترى أن مصر إسرائيلية أكثر من إسرائيل نفسها ولا يؤمن جانبها، لأنها تعمل مع مصالح إسرائيل، لذلك لا تنجح المبادرات الفردية، فدول الجوار هم أهل المصلحة، فإذا تحسنت العلاقات بين السودان وجنوب السودان فإن مصر وأثيوبيا أول المستفيدين من مياه النيل والزراعة وغيرها ولكن دول أفريقيا البعيدة لا تستفيد من تحسن العلاقات، لذلك أفضل الوساطة تدار عبر دول الجوار. الدول التي أشرت لها تكيل بمكيالين ولا تتصف بالحيادية في الوساطة لذلك مبادرتها ووساطتها غير مجدية في كثير من الأحيان؟ - غير العاقلين فقط الذين يكيلون بمكيالين ويجب وجود مبادرة على مستوى وزراء الخارجية لعمل تجمع يخدم الشعوب وليسوا أشخاصاً أو أحزاباً، فمصر تكيل بمكيالين في عهد الرئيس السابق ولكن الرئيس القادم إذا راعى مصلحة الشعب المصري لن يكيل بمكيالين، أما أثيوبيا فإنها حريصة على أن يكون جيرانها في سلام وتنمية، لأن الحكومة الأثيوبية تعاني من الفقر والفاقة والمجاعة وهي العدو الأساسي لها والتنمية لا تقوم إلا بوجود سلام في المنطقة وأثيوبيا لديها قرابة الثلاثة ملايين أثيوبي يعملون في السودان ويحولون ثلاثة مليارات دولار في العام. هل وجدت مبادرتكم لتكوين تحالف شرق ووسط أفريقيا قبولاً من الدول المستهدفة؟ - تحالف شمال شرق أفريقيا يجب أن يقوده السيد الرئيس ووزير الخارجية علي كرتي، فوزير الخارجية الأثيوبي بنفسه محرض على قيام مؤتمر يجمع النخبة المتعلمة الأثيوبية والسودانية لتقديم اقتراحات عملية، وقال من الممكن أن يأتي برئيس الوزراء مليس زناوي إذا أتى السودانيون بالأستاذ علي عثمان في مؤتمر يقوم في سبتمبر عن العلاقات السودانية الأثيوبية، بينما المصريون قبلوا مبدأ تجمع شمال شرق أفريقيا وسيعقدون له مؤتمراً في هذا الشهر. هناك تجمع دول الإيقاد التي ساهمت في اتفاقية نيفاشا المعروفة باتفاقية السلام الشامل ولكنها متهمة بأنها أداة من أدوات مجلس الأمن الآن وتلعب دوراً سلبياً تجاه قضايا السودان داخل الاتحاد الأفريقي عبر أعضائها؟ - التجمعات الإقليمية هي ضرورة ولكن خططتها القوى الفاعلة وتجمع الإيقاد قائم على عداوة مع السودان وله رغبة في تمزيق الصومال والسودان وتهميش أثيوبيا، والدول القائمة على دول الإيقاد لا تجمعها مصلحة مع السودان وجنوب السودان نفسه يتعرض لأطماع يوغندية وكينية وزائرية. ولكن الموقف اليوغندي متشدد تجاه السودان أكثر من دولة جنوب السودان نفسها التي تشن العداء للسودان بالرغم من أن يوغندا لم تعد من دول الجوار السوداني؟ - الموقف اليوغندي تجاه السودان راغب في إحداث قطيعة مضاعفة لكي ينفرد بجنوب السودان، فمساحة جنوب السودان ثلاثة أضعاف مساحة يوغندا وسكان الجنوب أقل من ثلث سكان يوغندا التي تعرف في الجنوب والمجتمع المدني والحكومة والصناعة والتعليم، والإنسان اليوغندي الصق بالمجتمع الجنوبي من السودان وهم طامعون جداً في انفصال السودان الجنوبي لكي يستولوا على أراضيه وعلى مقدراته التجارية وتمدد قبيلة الزاندي، فهي قبيلة أكبر من الشلك والنوير ولكنها مقسمة بين زائير وجنوب السودان، لذلك تبدو ضعيفة وفي أي وقت إذا توحدت هذه القبيلة ستقضي على السلطة في جنوب السودان وتستفيد زائير وهكذا كينيا، فهذه الدول الثلاث طامعة جداً. ولكن الآن حدث الانفصال فلماذا تأجيج الصراع برأيك؟ - لإضعاف الجنوب كي يكون لقمة سائغة ويوغندا تدخلت في اغتيال جون قرنق، فالطائرة التي حملت قرنق أقلعت من الأراضي اليوغندية. ولماذا يغتال موسفيني قرنق وقد كان صديقه المقرب؟ - ليست هناك صداقة دائمة ولكن هنالك مصالح إذا كان جون قرنق يدعو إلى وحدة السودان وعدم فصله، فإن موسفيني لن يكون له صديقاً لأنه يريد أن يفصل جنوب السودان لكي يستأثر شعبه بالثلاث والثلاثين أو خمس وثلاثين في رقعة تساوي ثلث مساحة جنوب السودان ليتنفس شمالاً خاصة في التجارة والزراعة وغيرها بأراضي الجنوب والعاقل هو من يفهم أهداف يوغندا، فعداوتها ورغبتها وأطماعها في جنوب السودان أكبر من عداوتها وأطماعها للسودان وليست لديها مصلحة في شمال السودان وإنما تحرض جنوب السودان لكي يدخل في مشاكل مع السودان ويصبح لقمة سائغة لها.