أسبوع مضى على الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك نزيلاً بسجن «طرة» الشهير، الذي كان الرئيس في السابق يرمي فيه بالمعارضين السياسيين وخصوم النظام، حصوصاً قادة الأخوان المسلمين الذين يكتب الله في أقداره الغلابة أن يتبادلوا معه المواقع.. السجن والقصر!! إن محاكمة القرن التي اعتبرت الاولى في التأريخ التي يتم فيها الحكم القضائي على رئيس دولة في العالم الثالث، بعد أن أطيح به بثورة شعبية، لذلك حفت بهالة من الإهتمام وحظيت بتغطية إعلامية غير مسبوقة، ووفرت مادة إعلامية لمعظم القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العالمية، وتنافست كبرى القنوات الفضائية في الحصول على حق النقل المباشر لجلسة النطق بالحكم الأخيرة. إن حيثيات محكمة القرن- التي بلغت جلساتها حوالي خمسين جلسة، ودونت وقائعها في «700» صفحة، ونظرت في أكثر من «601» ألف مستند ومذكرة- تعتبر من أهم البرامج والوثائق الإنتخابية الداعمة لحمل الدكتور محمد مرسي «مرشح الأخوان المسلمين» لكرسي الرئاسة المصرية إن حركة الإخوان المسلمين بمصر التي أسسها الإمام حسن البنا «1928 - 1948م» تعتبر الباعث الحقيقي للصحوة الإسلامية العالمية، ثم تجددت فيما تلاها من حركات معاصرة، كانت ثماراً لذلك الغرس النبيل، إنتشرت تعاليمها في آسيا وشبه الجزيرة الهندية وتركيا والمنطقة العربية، عبرت عن وجودها في مجتماعتها المحلية بصور وجماعات ومسميات وأطروحات تناسب ظروفها الزمانية والمكانية، وأقفيتها الملحة وأولوياتها المنتخبة واقعياً.. جسدها مفكرون ملهمون مثل الأفغاني، والمورودي، ومحمد عبده، ورشيد رضا، ومحمد إقبال، وصادق عبد الله عبدالماجد، وراشد الغنوشي وغيرهم.. كانت الحركة الإسلامية المصرية صحوة سعت لبناء مجمّع إسلامي شامل لكل الجوانب، مستوعباً لكل الأقفية مخاطباً كل المنابر، حركة يقوم نظامها السياسي على الأركان الأساسية للسياسة الشرعية في الإسلام، وهي الشورى- والعدل- والحرية- والمساواة ويعتمد برنامجها الإجتماعي على الفرائض التضامنية في الإسلام، وهي الإخاء والتعاون، ويقوم نظامها التربوي والتعليمي على التزكية والتربية، وتعمر علاقاتها الدولية وفق الفرائض الدبلوماسية في الإسلام.. يقول تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»صدق الله العظيم إن من خصائص الحركة الإسلامية أنها لا تقتصر على تزكية الفرد فحسب.. بل تسعى إلى بناء الجماعة المتماسكة المتعاونة.. فهي حركة تغيير إجتماعي شامل لا تستغنى بجهد الفرد، ولا تقنع بإصلاح أمره الخاص بل تتخطاه إلى الجماعة، وهي حركة محلية وعلمية في ذات الوقت.. محلية تكيف خطابها ليناسب هموم الإقليم والقطر من أجل قيام مجتمع يتمكن فيه التدين بصورة فعالة، وهي رأت ذلك جزء من حركة الإسلام في العالم، تدرك واجب الموالاة والتناصر بين المسلمين كافة. وددت بهذه العبارات السالفة أن أذكر إخواني القادة الجدد المرشحين لقيادة مصر الجديدة، بميراثهم التليد ومرتكزاتهم الفكرية الراسخة، حرصاً وإشفاقاً على نجاح تجربة الحكم المصري بقيم الإسلام.. الحكم المصري الذي انتقل الحكم فيه منذ الأزل من فرعون الى فرعون، بحيث لم تجد الشريعة الإسلامية فرصة أبداً طيلة العهود الماضية بل ظلت حركة التدين إجتماعية محضة، وساعد في بقائها ونموها العرف المجتمعي المحافظ، ووجود المؤسسات العلمية والدعوية الشامخة كالأزهر الشريف، وجمعيات الدعوة والإرشاد والإصلاح، بما فيهم حركة الإخوان المسلمين، التي نجحت في التواصل مع المجتمع عبر أنشطة المسجد الشامل، الذي يضم مراكز التحفيظ، ورعاية الناشئة، والخدمات الطبية للشرائح الضعيفة، ومشروعات كفالة الأيتام، وفضل الزاد والكساء، وقدم الأخوان المسلمون تضحيات جسيمة في سبيل الصمود والاستمرار، مما جعل الشعب المصري يقدر لهم ذلك، ويكافئ جهدهم وجهادهم بأن قدمهم بأغلبية كاسحة في البرلمان الجديد، مما جعل الطريق ممهداً لكرسي الرئاسة. فما هي إذن فرص النجاح والعبور بتجربة الحكم الإسلامي بمصر الشقيقة في ظل الواقع والظروف الراهنة!.. فالشعب المصري ما زال يعاني من هستيريا الثورة الشعبية العارمة التي يدعي أبوتها الجميع، والارتباك الذي لازم كل المراحل منذ سقوط النظام مطلع العام الماضي، كشأن الأعمى الذي أبصر الضياء فجأة بعد طوال عتمة!! أو كالذي لازمه الكساح لفترة طويلة حتى تكلست قدماه ثم أذن الله له بالنهوض والمشي!! وقد وصف بعض المحللين الحالة النفسية للمجتمع المصري بعد الثورة ب «الخوف الخلاق». أما واقع الأحزاب السياسية المصرية بما فيها حركة الأخوان المسلمين، فإنها تدخل معترك الحياة السياسية العملية دون سابق تجربة في إدارة مؤسسات الحكم والشأن العام، وجدير بالإخوان المسلمين خصوصاً الإستفادة القصوى من تجربة الإنقاذ الوطني في السودان، فإن لم تصلح جميع مراحلها كقدوة فقطعاً يصلح بعض تجربتها كعبرة.