كانت الدولة واحدة، ولكن الألوان تختلف، والألسن تختلف، والعادات والتقاليد شيء آخر ، القاعة تضج بالحديث، لكن اللغات التي يتحدثونها تختلف، وقت الظهيرة يصطفون لشرب الشاي، ايوة الشاي لا الوسكي ولا البيرة، يتخلل تلك الجلسات تبادل أطراف الحديث والنكات، اللوحة تحكي عن قصة أمة واحدة، فرق بينها الدهر والسياسة والأطماع زادت الطين بلة، إنها محكمة التحكيم الدولي بين: الحركة الشعبية وحكومة السودان.. ولكن هل الدعوة فيما بين حكومة السودان والحركة الشعبية، كلا، كانت بالوكالة، شعب المسيرية يمثل حكومة السودان، شعب دينكا نقوك يمثل الحركة الشعبية، وتبدأ جلسات المحكمة، منهم من يركب سماعة الأذن، ومنهم من يستمع دون سماعة، حتي عندما يتحدث شاهد هرم من دينكا نقوك عمره تسعون ويزيد دلالة على فهمه للغة دينكا نقوك، دلالة على ملح وملاح، ومعلوم أن التصاهر بينهما قائم، والتداخل بينهما بائن. تلك هي أيام قضيناها بين ردهات محكمة التحكيم الدائم في لاهاي، والأيام حبلى بالمفاجآت، وكان منذ ذلك الحين التوقعات قائمة، خاصة عندما ظهر وزير خارجية السودان دينق الور وقتذاك، الى جانب الوفد الذي يقاضي حكومة السودان ويدعي عليها. الأيام دول وهل تداول الأيام نفسها في قضية أخرى تسمى هجليج؟ هذا ما وعد به رياك مشار الذي ظهر في قاعات لاهاي وقتذاك، وأدرت معه حواراً، وقال لي تحديداً إن هجليج تتبع الى ولاية الوحدة وسوف نأخذها مستقبلاً، لكن الآن نعبر عن رضائنا التام لخريطة المحكمة التي اخرجت هجليج من نزاع أبيي!!. كنت متعجباً في حديثه وعندما خرجنا الى الفندق قال لي رياك مشار، إن أبيي منطقة تتبع الى دينكا نقوك، وهجليج تقع في أراضي النوير، فإذا ضمت المحكمة جزءاً من هجليج الى أرض دينكا نقوك فإن النوير سوف يبيدون الدينكا، أما هذا الحكم سوف يكون مرضياً لنا، وسوف يأتي يوم نحتكم فيه الى نفس هذه المحكمة حول تبعية منطقة هجليج. عموماً هذا ما استدعاه عقلي من ذكريات تحكيم أبيي، «وربنا يكضب الشينة» «لكن الشوف كعب والغريق قدام».