أوصدت تصريحات الرئيس البشير الباب تماما أمام أى مزايدات أو إجتهادات حول تبعية «أبيى « للسودان حينما قال إن أبيي سودانية وستظل جزء من السودان ،مؤكدا أن السيادة الآن في أبيى للسودان لأنها داخل حدوده التى رسمها الإنجليز بين الشمال والجنوب منذ إستقلال السودان فى 1/1 /1956 وشدد البشير في أول حديث له بعد الخروج من المشفى بالرياض قبل يومين على ان أبيى ليست أرضا محايدة بين السودان والجنوب بل إنها أرض مسيرية! ولهم حق المشاركة فى الإستفتاء فى أبيى مثلما للدينكا نقوك من حقوق، وتجاوز البشير تحفظ الحكومة على مقترح أمبيكى بشأن حل القضية نفسها مؤكدا رفض السودان تماما للمقترح الأمبيكى . في ذات الوقت أكدت قبيلة المسيرية وعلى لسان الصادق مريدة أحد قياداتها الشابة إن المسيرية ظلت تتضرع إلى الله بالصلاة والدعوات والكرامات بأن يتماثل الرئيس للشفاء العاجل من وعكته، إذ العلاقة بين الرئيس والمسيرية علاقة أزلية لا يعلم مكنونها وأسرارها إلا المسيرية أنفسهم والرئيس وحده ،وما يؤكد ذلك فقد أعلن الرئيس البشير فى العام 2006 وعلى الملأ وفى الهواء الطلق بميدان التحرير بالفولة « أنه فى دار المسيرية ما محتاج لحراسة «وكان ذلك إحتجاجا على محاولة رجال الأمن مجرد إبعاد المواطنين الذين إقتربوا لدرجة الإلتحام مع الرئيس وهو يناديهم إقتربوا أكثر رغم أن الموقف كان لإحتواء تمرد حركة شباب المسيرية « شمم « إذا علاقة البشير بالمسيرية أرضا وشعبا عن معرفة ودراية وخبرة أكثر مما تتصوره وسائل الإعلام. وربما حملت تصريحات البشير بحسب مراقبين ردا مباشرا على التصريحات التى أدلى بها القائم بالأعمال الأمريكى جوزيف إستافورد لوسائل الإعلام إبان زيارته لرئيس الآلية المشتركة لأبيى الخير الفهيم المكى فى داره ملتمسا رؤية الحكومة والمسيرية عن مقترح أمبيكى قال المسؤول الأمريكى بنهاية الزيارة « أنه تفهم أهمية أبيى كما تفهم رؤية الحكومة ويقدر مشاعرها بكل الإحترام والتقدير إلا أن أمريكا رسميا ستدعم كاملا كافة الجهود التى قامت بها الآلية الأفريقية الرفيعة برئاسة الرئيس السابق لجنوب أفريقيا ثامبو أمبيكى حول مقترح الإستفتاء فى أبيى «، إلا أن الفهيم أكد تحفظ الحكومة على المقترح الذى تقدمت به الآلية الأفريقية لقيام الإستفتاء خلال إكتوبر من العام المقبل لأن ذلك يتعارض مع الدستور والقانون السودانى وقانون إستفتاء أبيى فيما قطع الرئيس البشير فى هذا الجانب تماما قائلا « قانون استفتاء أبيي قانون أجازه المجلس الوطني في الخرطوم وما في جهة يمكن أن تغيره إلا المجلس الوطني الموجود في أم درمان « وقدم الفهيم مرافعة قوية عن أحقية المسيرية فى منطقة أبيى قائلا إن المسيرية لهم الأحقية لأكثر من «أربعمائة « عام وهم يقضون سنويا «ثمانية « أشهر كرعاة فيما لايقضون فى مناطق الشمال أكثر من «أربعة « أشهر مؤكدا أن المسيرية هم من إستضافوا جد الدينكا «الروك بيونق « فى المنطقة وليس العكس وقال إن القبيلتين تزاوجتا وتعايشتا معا بدليل هذه السلالات والسحنات والعادات والتقاليد المتبادلة. فيما يقول رئيس لجنة العرف لقبيلتى المسيرية والدينكا نقوك العمدة بشتنة محمد سالم ان أرض أبيى تاريخيا للمسيرية منذ العام 1765 ولا توجد أى جهة تنازعها فى هذا الحق مؤكدا أن المسيرية إستضافت جد نقوك السلطان الروك بيونق وحكم من بعده السلاطين كوال الروك ،دينق ماجوك ،عبدالله دينق ثم آدم دينق وجميعهم أقروا حقوق المسيرية فى أبيى إلا السلطان كوال دينق ماجوك عازيا ذلك لأبعاد سياسية وأطماع بترولية من قبل الحركة الشعبية الحاكمة فى الجنوب . وبالعودة الى بعض تعقيدات المشكلة ومنها موافقة الأطراف على تحكيم لاهاى كيف تمت ولماذا؟ يقول رئيس لجنة العرف أن المسيرية قدموا خطاب الحاكم الإنجليزى وجنت باشا عام 1905 وثيقة تؤكد تبعية أبيى للشمال ، وحمل بشتنة المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية لتحرير السودان تبعات قضية أبيى مشيرا إلى حديث أدلى به الدكتور رياك مشار نائب رئيس دولة الجنوب قائلا بأنهم فى الحركة والوطنى أجبرا على توقيع نتيجة التحكيم ، إلا أن الفهيم حمل المبعوث الأمريكى دانفورث مسؤولية مآلات تعقيد الأوضاع فى أبيى مبينا أن البروتوكول نفسه بنى بصورة إقصائية للمسيرية والسودان لأنه تحدث عن القبلية فى ظل هذا العصر الحديث ،وقد أظهرت عيوبه إنحيازا واضحا لنقوك وللحركة الشعبية دون أن يأخذ بمرجعية التعايش السلمى بالمنطقة لحوالى أربعمائة عام ، فيما عاد الفهيم متسائلا لماذا لم تعتد الآلية الأفريقية ب»ست» مقترحات تقدم بها المبعوث الأمريكى السابق غريشن وافقت عليها المسيرية فقد حدد غريشن أحقية الإستفتاء لكل من إستقر بأبيى أكثر من (185) يوما فى العام معتبرا أن ذلك المقترح مقترح أمريكى ، فيما حددت مقترحات الآلية الأفريقية أن من يحق لهم بالإستفتاء الذين يحملون صفة «الإقامة الدائمة» ويعتقد بشتنة أن أمبيكى مال لمصلحة دينكا نقوك ويريد إقصاء قبيلة المسيرية. إلا أن الأمير مختار بابو نمر أشهر نظار المسيرية يقول ل»الصحافة» نحن كمسيرية زعلانين شديد لأن دول أفريقيا كلها وقفت ضدنا لمصلحة دينكا نقوك وضد السودان لمصلحة جنوب السودان ، متسائلا عن فائدة ودور سفارات السودان فى الخارج ؟ وزاد مجتمعنا رعوي وبطبيعة الحال الرعاة فى السودان كثيرو الترحال والتجوال. وفي هذا الصدد كان الفهيم طرح عدة تساؤلات على المسؤول الأمريكى أليس رعاتنا مثل «الكابويات « فى أمريكا ونفس رعاة الأبقار فى هولندا وهل تمت معاقبتهم بحرمانهم من حقوقهم لأنهم رعاة ؟ فيما وقف إستفافورد مشدودا مع المرافعات المهمة التى قدمها الفهيم وزاد هل المسيرية بهذه السحنات هم «عرب» مثلهم مثل الآخرين؟، فيما يقول رئيس لجنة العرف إن المسيرية رعاة متجولون كما يفهم بل مستقرون فى أبيى سويا مع نقوك وهم من علموهم اللغة العربية ولبس الجلابية وتعليم القرآن حتى أصبح 30% منهم مسلمين ومتزاوجين معا حتى أصبحت عادات وتقاليد نقوك لا تنفصل عن ذات العادات والتقاليد فى المسيرية كما لا تخلو أى أسرة من القبيلتين من التصاهر والتداخل المجتمعى . ولكن ماهو رأى المجتمع المحلى فى أبيى حول الإستفتاء ؟ يقول رئيس لجنة العرف العمدة بشتنة محمد سالم ل»الصحافة « فى إتصال هاتفى «أربعة « من مشيخات نقوك أعلنوا موقفهم وسط تهديد من قبل الحركة الشعبية بدولة الجنوب ، أنهم مع حق المسيرية فى الإستفتاء بأبيى جنبا إلى جنب مع نقوك، فيما إلتزمت مشيخات أخرى بالصمت تحت التهديد والوعيد، من جانبه عاد الأمير مختار قائلا نحن الآن فى أبيى وأكثر من (50) قرية تتبع للمسيرية فى أبيى وأكثر من (10) مليون رأس من أبقارنا داخل المنطقة ولن نتخلى عن أبيى ولن تتخلى أبقارنا نفسها عن أبيى فأبيى دونها المهج والأرواح وزاد الأمير إذا كان الأمريكان أنفسهم دايرين يشعلوا الحرب بتجاوز قبيلة المسيرية في الإستفتاء فنحن نؤكد جاهزيتنا منذ الآن لحرب أهلية طويلة ونحملهم المسؤولية ،فيما يقول سالم إن مشكلة أبيى سياسية وليست مجتمعية ، نحن كمسيرية لن نتخلى عن أبيى ودونها المهج والأرواح ولن نعترف بقرار أمبيكى وهو غير ملزم لنا وأى محاولة لتطبيقه سوف يجر لحرب أهلية أثناء عملية التسجيل ووسط الصفوف المتراصة للتسجيل والحرب الكبرى بإعلان النتيجة حرب أهلية لن تترك شاردة أو واردة وسيشترك فيها الجميع ،وتساءل بشتنة هل أمريكا ومن يدعمون خطة إقصاء المسيرية من عملية الإستفتاء فى أبيى قادرون على الوقوف ضد كل مسيرى ؟ فيما أكد الفهيم بأن مجتمع المسيرية يرفض بشدة المقترح الأفريقى بشأن ربط الإستفتاء بالإقامة الدائمة ويرفضه بشدة لأنه تجاوز مجتمع المسيرية صاحب الحق الشرعى والذى ظل يعيش بالمنطقة لأكثر من أربعة قرون محذرا من أن مقترح أمبيكى سيعقد مشكلة أبيى أكثر ولن يحلها بل سينسف كافة الجهود التى بذلتها المجتمعات المحلية من تعاون وتعايش وإستقرار وتنذر بكارثة قد تحل بالمنطقة يصعب السيطرة عليها . ولكن هل من أمل لتجاوز الأزمة؟ القائم بالأعمال الأمريكى نفسه قال إنه تفهم حق المسيرية فى عملية الإستفتاء ، ورجح سياسيون وقادة محليون أن يتفهم مجلس الأمن الدولى نفسه هذا الوضع المعقد بإعتبار أنه يسعى للإستقرار وليس تفجر الحروب وإثارة الأزمات القبلية لتصبح أبيى منطقة للتعايش السلمى وليست منطقة حرب أهلية تجر المنطقة بكاملها لحروب أخرى .