دخل منزلهبعد منتصف الليل عائدًا من البرلمان، الذي انتهت جلسته في تمام الساعة الواحدة منتصف الليل لإجازة الميزانية، كانت الأمور هادئة إلا ما ظهر من بعض الشباب الموجود على كبري القوات المسلحة، لم يهنأ بنومه عند عودته للمنزل، طرق بابه جاره في الحي في تمام الساعة الرابعة والنصف صباحاً وأخبره أن هنالك حركةً غير عادية في البلاد، حاول الاتصال بجهازه السِّري الموجود في المنزل، ولكنه وجد الاتصال قد انقطع عن منزله، علم أن ما قدمه في تقرير لمجلس الوزراء في العاشر من أبريل 1989م قد أصبح واقعاً ولكنه استبعد أن يكون الإسلاميون وراء انقلاب يونيو 1989م كان يعلم بكل شيئ ولكنه لا يعلم بساعة الصفر، هذا ما سرده وزير جهاز الأمن في الديمقراطية الثالثة عن يوم الانقلاب الذي قامت به الحركة الإسلامية تحت مسمى ثورة الإنقاذ الوطني، وكشف عن تفاصيل ذلك اليوم وما قبله وبعده، وفي الذكرى الثالثة والعشرين للثورة أرجع اللواء عبد الرحمن فرح نجاح الثورة إلي عدم الإهتمام والتراخي من جانب رئيس الوزراء السيد الصادق إيماناً منه بديمقراطيةٍ زائفةٍ وعقيدة منه انه محبوب الشعب السوداني، كما كال الإتهام للعسكريين و السياسيين بنكث العهد، وقال اقسم العسكريون و السياسيون يوماً بالوفاء علي الدستور وصيانة الأمن والنظام الديمقراطي، وطاعة الرؤساء برًا وبحرًا وجوًا، وقد نكثا بالعهد و بما هو مطلوب منهم . هل كنتم تعلمون بانقلاب يونيو 1989م ؟ كانت الإرهاصات واضحة، بان هنالك عملٌ جارٍ تحت الطاولة، و كنا نعلم بان هنالك انقلاب يقوده المايويون يشارك فيه اللواء الزبير محمد صالح ، وأخر يقوده التنظيم الإسلامي، وعلى رأسه العميد مأمون المرضي، وكنا على ثقةٍ أن المجموعة الإسلامية، لم يكن لها الرَّغبة الأكيدة في الانقلاب، لكنها لا تمانع بالقيام به. و الإسلاميون كانوا يعتقدون أن المايويين جادين في الانقلاب وهل اعتقادهم كان صحيحاً وماذا كنت تعتقد أنت ؟ كنت استبعد نجاح الإسلاميين، وأتوقع نجاح المايويين . لماذا استبعدت نجاح الإسلاميين ؟ لأنهم حلفوا على اسم الله وخيانة اسم الله ليست بالسهلة وكنت أتوقع أن لهم إسلام ودين كما يدعون، ولا يمكن لهم التنصل علي العهود التي قطعوها على أنفسهم خاصةً الدعوة. أما المايويين فهم في حِلْ من ذلك . قلت أن التنظيم الإسلامي كان على رأسه العميد مأمون المرضي! ألم تكن لكم معلومات عن عمر البشير وقتها ؟ لا لم تكن لدينا معلومات عن عمر البشير، ولكن كان لدينا معلومات عن الطيار محمدين . وأين كان الطيار محمدين ساعة الإنقلاب ؟ لم يظهر وحسب معلوماتنا كان هو أمين التنظيم العسكري للجبهة الإسلامية. من كان علي رأس المايويين وهل نجحت محاولتهم للإنقلاب ؟ الفريق أبو كدوك، و كان هنالك إنقلاب للزبير محمد صالح سبق انقلاب الإسلاميين بشهرين، ولكن الزبير اعتقل بواسطة الاستخبارات العسكرية، وعندما جاء البشير أطلق سراحه، وانضمت قواته إلى الإنقاذيين والزبير لم يكن حركة إسلامية بل كان مايوياً . أكدت بأن لكم علم بعمل إنقلابي جارٍ للمايويين والإسلاميين ما هي الإجراءات التي اتخذتموها حيال ذلك ؟ كان يوجد نوع من الخلاف مابين جهاز الأمن، ومجلس الوزراء، فالسيد الصادق كان يرى اذا كان هنالك أي نوع من الانقلاب فهو نتاج لرغبة الشعب السوداني، و كان أكثر ميولا إلى تطبيق الديمقراطية الغربية في بلد لا يزال يحتاج إلى الكثير من العمل، وكنا داخل حزب الأمة نرى وجوب ابتعاد القوات المسلحة عن أي نوع من التسييس أو الانخراط فيه. ما هي طبيعة الخلاف ؟ الجهاز كان لا يباح له اعتقال أي شخص، بل رفع مذكرةً منه إلى وزارة الداخلية، وهي المنوط بها حق الإعتقال والتحري، وكنا نرى بأنه لابد من تعديل القانون، حتى يقوم الجهاز بواجبه من الاعتقال والمتابعة والمراقبة والتحري، و لكنهم قرروا أن يتبع إلى رئاسة مجلس الوزراء، على ألا يكون له حق الإعتقال أو المتابعة أو المراقبة، بل يرفع التقارير، ووزارة الدَّاخلية هي التي تقوم بالإجراءات اللازمة، وبالتالي كنا نعلم بان هنالك تحركات مايوية وإسلامية، ونرفع تقاريرنا إلى مجلس الوزراء، وأيضاً كنا نطالب بتحجيم الأنشطة، داخل القوات المسلحة . ألم يكن لكم علم بساعة الصفر؟ وهل كنتم تتابعون تلك التحركات ؟ كنا على علم بحدوث شيءٍ ولكن متى! لم نحدده . متى رفعتم تقاريركم عن تلك التحركات إلي مجلس الوزراء ؟ رُفِعت يوم 10 ابريل 1989م من لجنةٍ مكونة من مندوب الداخلية والخارجية وجهاز الأمن وكتبت مذكرةً ضافية ًمن عشرة نسخ موقعة من شخصي، توضح ما يجري وتشير بان هنالك إرهاصات لمحاولة انقلابية وان المايويين أكثر جدية من الإسلاميين . ماذا كان رد مجلس الوزراء وقتها ؟ عقب مذكرتنا رفعت مذكرة القوات المسلحة بعد فشل الإدارة العامة بالقوات المسلحة في إدارة القوات المسلحة وأذكر إجتماعات ضمت القائد العام، وجهاز الأمن، والقوات العسكرية، أثير فيه!! لماذا سقطت توريت وسُئِل الجيش عن أي تأخير أو تقصير في متطلباته لم تقدمه له الحكومة وكان ردهم إن أي شيء طلبناه قُدِّم لنا، ولكن الرَّوح المعنوية كانت هي منخفضة وأسبابها، ما كان يكتب في الصحافة الشيوعية التي كانت تسمي قرنق« بالزعيم» والمواطن والثائر وليس الخائن، وكانت العقيدة القتالية غير متوفرة . أين كنت يوم الانقلاب ؟ كنا داخل الجمعية التأسيسية، لتمرير الميزانية، حيث انتهت جلسة البرلمان الساعة واحدة مساءً ومَّرَرنَّا الميزانية . وهل كانت الأمور هادئة عند عودتك من البرلمان منتصف الليل ؟ عند العودة كانت الأمور هادئة إلا ما ظهر من بعض الشباب الموجود علي كبري القوات المسلحة . كم كان عدد هؤلاء الشباب تقريباً ؟ كانوا حوالي 20 - 30 تقريباً . أنت رجل استخبارات ألم تسأل عن سبب وجود هؤلاء الشباب في تلك المناطق وفي ذلك الوقت ؟ سألت العسكري الذي كان موجوداً بالمنطقة، وكانت الإجابة بأنهم ينتظرون المواصلات. وكيف علمت بالانقلاب إذًا ؟ بعد ذلك وصلت إلى المنزل وحوالي السَّاعة الرَّابعة والنِّصف صباحاً طرق بابي المهندس محمد أبو جاري وقال أن هنالك حركة غير معتادة في الخرطوم فصليت الصبح، وخرجت بعد أن حاولت الإتصال بالجهاز السِّري الموجود في المنزل ولكنني وجدت الاتصال قد انقطع فخرجت أتلمس الأمر . من هو أول من حاولت الاتصال به بعد أن اكتشفت أن الاتصال قد انقطع ؟ السيد نصر الدين المهدي وكان مسئولاً عن شباب الأنصار ويسكن في شارع البلدية ، ولم أجده وحاولت الوصول إلى منزل رئيس هيئة الأركان مهدي بابو نمر في المباني الشرقية للقيادة، وعلمت أن مجموعة من العساكر هاجموا منزله وأخذوه إلى داخل القيادة. وحاولت أن أذهب إلى أمدرمان، وكانت الساعة حوالَّي السابعة، فوجدت الكباري مغلقة فرجعت . ... نواصل