راي: د. عبد الرحيم عبد الحليم محمد أكتب الى أخي الكبير الحبيب الرقيق ...ملك شعّار عموم نوبيا .فأقول أن نيل الوطن وزع على جميع مواطني العالم منشورا مكتوبا بلون الرمال وسعف النخيل يفيد بوصولك إلى كل الرائعين المصطفين في برازخ الإنتظار الشغوفة بتلقي خرائط الوصول الى مدارج الجمال اللامنتهي في حضرة رب العالمين آذنا لهم بالراحة في مستقرهم الأخير. وأقول الى أخينا الحبيب أيضا أنه في غيابك الفاجع تجتمع كل جواهر الوطن مصطفة على ضفاف النيل من منبعه الى مصبه لوداعك ، فالنيل كسيف فضي ثقيل تعود عبرك مجافاة غمده.ولأن لكل نهر من دهره ما تعودا،فقد تعود نيلنا منك أن تمتشقه حساماً في وجه من يقترب عدوانا من حمى عازة. وفي يومك هذا ، يخرج سيف النيل الصقيل ليقود مظاهرة جواهر الوطن التي تسد الآن المسافة ما بين ناوا وتنقاسي السوق ومن هناك، إحتشادا بين النيلين ومنهما الى العالم مرورا بمحطات كثيرة تزدحم في الخاطر بدون نظام .. جنوا، البندقية، كنشاسا، براغ، بيروت، مكةالمكرمة، الدوحة، باريس، لندن، كانكون، أسطنبول، نيروبي. وأنت يا من حملت شعارا وحدة الوطن مرددا مرج البحرين يلتقيان، تقف في ضجيج تلك المدن وعجيجيها لا ترى فيها حسنا إلا بمقدار ما يقربك من جمال الحبيبة عازة.إنك لا ترى عازة بعين وجدانك فحسب ولكنك ترى من بعيد حزنها المؤرق وعذاباتها القاسية في كل نبرة حزن تعتور سكان هذا العالم في أى مدينة كانوا.أن فنك البديع كان دائما سحابة شجو وبوح وإبداع أينما أمطرت يأتي عازة خراجها: لقيتك واقفة في كل المطارات ومنتظراني بالشوق والبسيمات وايدك راعشة بتقول لي . . سلامات لقيتك في محطات القطارات والتلوج نازلات على وشيشك وصابات وانت تحاحي بالتوب . . الدميعات تعتدل في جلسة الحديث عن الوطن وقد خفت حركة السابلة في ليل الخرطوم الآسر مخبرا عن تاريخ الوطن الغابر أن موسى عليه السلام ولد في ناوا في مجمع البحرين حيث كان يلتقي فيها بحران قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة وأن الفرعون رمسيس الثاني أستعان بسحرة من ناوا في مواجهته مع موسى الكليم فهم يشتهرون حتى الآن بأنهم سحاحير. نستثمر في ليل الحردلو الآسر وهو يبلغ هيامه وتجلياته العاتية .يبلغ تركيز الحزن في كبده أقصاه والبلاد يسودها جبار لا يكتفي بتكميم أفواه الناس وإنما قتل علماء الأمة ومصابيحها الربانية.وهنا وبضمير المتكلم عن حبيب عرفناه وأحبنا وأحببناه .. فأنني لم أره مكلوما قط مثلما رأيته بعد أغتيال الشهيد محمود محمد طه.لقد كنت حاضرا حين تلاها بصوته العذب المعبر وتلاها علينا بصوت جهير .,اجرينا لها وقتها لحنا عرفانيا وقد كتبها في كنشاسا عام 1975م متنبأ فيها بسيادة القهر وأحكام السحل والموت الزؤام لتصيب تنبؤهاته بعد عشر سنوات من قصيدته ملهمه العالم النوراني .مثل سيد أحمد الحردلو لا يغفل عن رؤية مصابيح النور في ذلك الذي لاقى فيه صلاحا وتقى وهدي : محمود جنا طه واحد من الاحياء مع انوعمرى انا لم امدح الاحياء بس يا سلام .. سلم زول .. يستحق القول والحمد والتبجيل ما يشدني و يدهشني في بستان الشاعر العظيم قدرته الفائقة على تطريز فنه الرائع بتاريخ الوطن عبر مفردة محلية وعربية لا تكتفي بحسم الجدل السقيم حول هوية أمتنا وانما الأقتناع المتوازن به عبر مرافعات شعرية يرى نفسه فيها حينا مع العرب الفاتحين في الأندلس حيث نلحظ ذلك في تقربه من رموش الحبيبة سنيوريتا - المكسيكية وتارة نوبيا التي وصل أجداده منها إلى تخوم المكسيك ..هناك حيث طلب القائد الأشوري في حربه مع أهل سنيوريتا - وذلك في سياق آخر- النجدة من الملك النوبي بعانخي الذي بدوره أرسل له جيش نجدة بقيادة إبنه ترهاقا .هنا نرى الجيش العربي في الأندلس وتجريدة الجيش النوبي في المكسيك يلتقيان لكى يقوما بصناعة بيولوجية مدهشة تخلقت عبرها ومنها رموش الحبيبة سنيوريتا التي أكد الشاعر في إنتسابه اليها أنها خلطة نوبية عربية فهناك في الأندلس ، كان أبوه العربي من الغزاة الفاتحين الذين وصفهم نزار قباني بأنهم دخلوا الأندلس عاشقين لا فاتحين -لاكين الخليفة أمر بأنو يعود إلى بغداد لأمر هام ..ومن داكا الميعاد هاجر وخلا البنت شايلة ولاد ولم قد عاد إنه وفي إطار ذلك المثلث التأريخي المحلي العالمي الذي يطل برأسه على مضيق جبل طارق ويرخي ضلعيه الآخرين بين ناوا النوبية والمكسيك حيث يستريح الفرسان النوبيون على ساحل الخليج المكسيكي ، فإن أم سنيوريتا هي الهجين العربي النوبي مع نفسه ومع الآخرين واضعين في الاعتبار تجريدة ترهاقا تلك الى الديار المكسيكية .إنه يؤكد وجوب عودة الفارس العربي الهجين إلى رفيقة دربه التي هي هجين عربي نوبي مكسيكي في تقديره التاريخي: لأنو بناتنا في المكسيك بدون إخوان وذاكا حرام الوطن سواء كان الشاعر العظيم حاضرا فيه أو بعيدا عنه هو نقطة إرتكازه ، بل أن الوطن عنده هو نقطة إرتكاز العالم كما أشرنا .إن مشاكل الوطن تجعله يلعنه كما في ملعون أبوكي بلد-لعنا جميلا - اذا صح التعبير فهو لا يلعن الوطن ولا الأمة ولا الانسان-ولكنها ممارسات الساسة التي رأيناها فيما بعد تفصل جسد الوطن إلى كيانين متخاصمين . ملعون أبوكي بلد تعكس ماذكرناه فهي القصة التي صارت شعاراً ينطق به كل من تعرض لمشكلة في وطننا .. فصارت أشبه بثقافة شعبية سالبة تثير السخط والتشاؤم لكل ما يعتور مسيرة الحياة في البلد وأشاعت قدراً كبيراً من االحزن الشعبي خاصة تجاه الحكومات التي تعاقبت فيما بعد وفشلت في حل مشاكل الوطن وإزالة الفقر والمرض والتخلف و فساد الذمم.ثم أن سيد أحمد الحردلو يقطف من طرافة نفسه وجماليات بيئته ما يجعل شعره عذبا متفردا وما يميز الشاعر العظيم هو أنه يسهل عليك الدخول ليس في وجدانه فحسب أو وجدان الوطن وإنما في وجدان تاريخ الأمم التي يرى وطننا فيها هو رأس الرمح الحضاري وسيد الفكر والوجدان. الطرافة هنا في الموقف والكلمة المستخدمة التي يريد الشاعر العظيم أن يشدنا إليها بطرف خفي: ولد جاييكي من واق واق وشايل الشوق دراش ودقاق وشايل في العيون طارق عشان يوصل لعينيكي عشان يديك وصية جدو ودعباد إلى قوله: وقلتها يمة بس معليش أنا أصلي جراب ومليان عيش تمكن الشاعر العظيم بمهارة فائقة من كتابة مأ اسميه الشعر الروائي لو صحت هذه التسمية فهو هناك مع الخالدين وردي ومتفلهم تفلهم جن ..لكن يا سلام فنان وبشير الطيب ولد كتاب كتابة الجن وكان عمنول مالي الدارة يرن ويرن ومحمود محمد طه واحد من الأحياء وعمر الحاج موسى وكالعادة دار الأصبع المشتاق على الرقم القديم ومحمد المهدي المجذوب كبير الدراويش نام يكتب لهم بروفايلز بحبر فنه الرفيع، حتى اذا ما تمادت المنون في إختطاف الأحبة من المبدعين يأتي دور الأسطورة مصطفي سيدأحمد وفيه يقول: ... تانى قام واحدْ جميلْ فى بلدنا ماتْ وكان بِغنى للمساكين والمسولتين والحفاةْ وكان بِغنى للمنافى والعصافير والرُعاةْ وكان بِغني لى بلدْ فى الحُلم شايل أغنياتْ وكان بِطنبر .. وكان بِدوبى للحياةْ أكتب عن أحد أحبابي الرائعين ..عن ملك شعار عموم نوبيا مرددا معه: أنا نوبيا وملك شعار عموم نوبيا ومهاجر لى خمس تالاف سنين نوبيا ولم أوصل إلى نوبيا وقد وصل رحمه الله!!