ذهبت الى كردفان الأسبوع المنصرم لأغراض اجتماعية، وكعادة الصحفيين في استغلال الفرص والأحايين التي تتاح لهم لرصد المشاهد، ذات الصلة بهموم وحياة الناس، خاصة تلك المرتبطة بمعاشهم وكدحهم اليومي بشكل مباشر، حيث لم تخل الزيارة- رغم قصر أيامها- من تدوين بعض المظاهر الموجبة والسالبة على طول طريق الرحلة ومسارها، الممتد من جبل الأولياء مدخل الخرطوم الى نهايتها مدينة صقع الجمل 80 كليومتر غرباً النهود، حيث الأناس الملاح الذين تريح النفس رؤياهم. لعله من غير الصدق والصواب ان لم نذكر جميل خصال قاطني تلك الديار عند التعرض لها بالحديث، فهم قوم جديرون بالتوثيق للمعاني الاجتماعية الفضيلة، التي يحملونها طالما علقت بذاكرتنا ورفضت النسيان. أولى ملاحظاتي في شمال كردفان تلك الاجتهادات الفردية، والجهود المبذولة من بعض أهل الحكم والسلطان، تجلت في شبكات وشوارع مدينة الأبيض، وما لحق بها من إنارة وتنظيم يدل على كفاح بيّن من أجل نهضة وتطور المدينة. الخوي استقبلت ابنها المعتمد احيمر على احيمر بحفاوة وبشر، ويقيني أنها كانت سوف تستقبل حميدة محمد اسماعيل المعتمد المقال قبل أن يلبس عباءة التنصيب، ويقف على منصة التتويج، كانت سوف تستقبله بذات الحرارة ودفء الأحضان، فهم لا يفرقون ما بين (احيمر وحميدة) فهما أبناء لأرض واحدة، ولا مفاضلة بينهما إلا بالعطاء، وما حدث ما هو إلا سخط سياسي بلغ حد الحنق كان ضحيته حميدة. ولو لم يفعل احيمر شيئاً في خدمة أهله إلا تلك البشاشة والأريحية التي يقابل بها أصحاب الحوائج المتحلقين حول مباني المحلية، والمتسلقين بأسوارها لكفاه.. تعامل احيمر بتلك الاريحية والنفس البارد يؤكد صحة المثل الكردفاني القائل..(إن دهن النعام بمسكة جلده)، لا يعرفون عن الخوي إلا حرد ومعاكسة الحكام، والوجه السالب عن المنطقة المتمثل في الهرج السياسي غير أنها مدينة ورود، وتحمل وجهاً مشرقاً، وقدمت رموزاً وطنية في شتى المجالات، فكراً وثقافة أثروا الساحة داخل وخارج الوطن، ودونكم بروف حاج آدم حسن الطاهر، وآدم حمد، والفريق عبد الله اللازم، وبشير آدم رحمة، وأسماء لا يسعها المجال.. فهي اليوم بحاجة لأن تستجمع قواها لتنهض ولا مجال للاختلاف والصراع. في النهود لا تزال المدينة صامتة وهادئة كعادتها في التعامل مع القادمين الجدد، ولم تنطق بكلمة ولم تبرز نوائبها لا فرحاً ولا حزناً.. معتمدها الجديد تشير القراءات الى أنه يحمل بعضاً من الخطط والبرامج لأجل حل اشكالات مياه المدينة والريف، وكذلك الكهرباء، وفي هذا الاتجاه تجدر الإشارة الى أن محلية النهود من أكثر مناطق السودان تأثراً بظاهرة العطش، خاصة في فصل الصيف في أجزاء واسعة من أريافها الغربية، والشمالية، وجزءاً من شرقها، ويتحدث الناس حالياً بأن المعتمد الفعلي هو المدير التنفيذي موسى علي ابراهيم، الذي يذكرونه بخير، وهو معروف عنه الجدارة والشطارة والمهنية، فلا غرو فهو كادر إداري ناجح عركته التجربة، فصنعت منه شخصية قوية، بجانب ذلك لا يخلو عقله من فكر سياسي ناضج، يعرف كيف يباصر الأمور بكياسة ودراية.وعندما سمعت حديث الناس عنه، سألت نفسي أكثر من مرة وقلت بالله كيف تخطى قطارالاستوزار رجلاً بهذه القدرات والنجاحات، وذهب الى (البسوى وما بسوى) كما يردد أستاذنا حسين خوجلي، وفي ود بندا لاتزال الحسرة تملأ الأمكنة، وبحر الدموع يتدفق على الجفون، لفقدها رجلاً كان ينوي صادقاً فعل الكثير، لكن خطفته يد المنون، ذلك هو الشهيد الصادق مرجب دفع الله، الشاب البشوش الذي كان يحمل بداخله حب الأهل والديار، ويكفيه أن ساعة رحيله كانت وهو يؤدي واجباً اجتماعياً مشاركاً في حفل عرس أحد أبناء المحلية في قرية متواضعة في كل شئ..!!في شمال كردفان هذه الأيام الخضرة تتربع على كل تلة وقوز، والمياه مندلقة على طول الطريق في كل بطحة وخور، لكن لا أمان للناس، وهناك بعض من الاحباطات والأحزان لا تزال قائمة ومشاهدة في وجوه الجالسين تحت ظلال أشجار التبلدي الوارفة، المنتظرين السلطان كي يقضي لهم حاجاتهم، كنت أنظر لهم وأردد في نفسي وأقول هؤلاء المجهدون المتعبون، إن لم يكن خادمهم قريباً منهم، وحاضراً مجالسهم، ومستمعاً جيداً لشكواهم، حتماً ستضيع مصالحهم، أحدهم قال لي: لسنا واثقين في هؤلاء، وحتى النجوم الساطعة عندنا لا أمان لها، وكلنا في الأمر مشككون إلا إذا حدث العكس..!! نظرت اليه ولم أستوعب شيئاً مما قاله، لكن أظنه يقصد بعضاً من الحاكمين، ومن الأشياء اللافتة في مجتمع كردفان المحلي جداً شيوع العبارة السوقية المستخدمة بكثافة هذه الأيام وهي كلمة (مواسير)، كناية عن الخداع والغش، يقولون لك (المعتمد دا أو الوزير طلع ماسورة- يعني فاشل)، أهالي الريف عندهم فراسة تنطق بالحكمة لا بالعلم، وتستوجب أن تؤخذ في البال، لأن باطن العلم هو الحكمة.كل من التقيته من قيادات وقواعد المحليات الغربية لولاية شمال كردفان، كان يوصيني بأن أبلغ أمانته لنواب الولاية بالمجلس الوطني، ويقصدون الولاية المذابة (غرب كردفان)، بأن يناضلوا من أجل تمديد أجل هيئة غرب كردفان، لتبلغ ما بدأته من خدمات وتنمية، وأن يبحثوا مع الجهات المعنية أمر إدارتها التنفيذية الجديدة حتى يوكل أمرها لمن يخدم ويحمل هموم وقضايا الذين قصدهم السيد رئيس الجمهورية بالتعويض بهذا الصندوق المسمى هيئة غرب كردفان للتنمية والخدمات..!! أيها النواب أبقوا عشرة على الهيئة.