وأنا في جولة ساعة العصرية.. وجدت صبية يلعبون (البِلي).. ونظرت فوجدت بعض اختلاف في شكل (اللين) وأنه توضع فيه كل كمية البِلي لدى اللاعبين.. ورجعت إلى صبانا ولعبة (البِلي) وهي لعبة منتشرة بكثافة آنذاك.. فلم تكن وسائل التسلية بمثل هذه (الضراوة).. وكانت المنافسة فيه شديدة.. لأن فيه كسباً مكلفاً .. لذلك وجد فيه البعض شبهة مقامرة. أذكر تجربة طريفة مع (البِلي) إذ كنت فيه (كيشة) دائماً مخروت.. فحاولت الثورة على هذا النمط السالب.. فقلت ماذا يفعل (الحُرفا).. راقبت.. تدربت في البيت.. تعلمت الأساليب الخادعة مثل (المط) وقد يفرض في بداية اللعب عدم المط.. وهو عدم العدالة فيه.. إن الطوال والأخف حركة يكسبون الجولة.. تعلمت كل ذلك وانتقلت من خانة (كيشة).. إلى خانة (حريف).. تعلمت من تلك اللعبة الكثير وحققت بعض حاجاتي إلى النجاح.. التقدير وتأكيد الذات. إلى أي حد تشبه حالتنا السياسية والاجتماعية لعبة البِلي.. والخارت والمخروت فيها.. ربما هناك أوجه شبه.. ففي السياسة السودانية المعاصرة غالباً ما يبنى الأمر على المجهول.. ينتظرون الأحداث والمواقف ثم يواجهونها بأقسى الحلول.. لا تلوح رائحة تخطيط لا إستراتيجي ولا آني في البلي.. هناك حوافز طبقية مثل أن تقتني (جُلة) والجُلة ضراب من حديد يتفوق على رصفائه.. فقد يلعب اللاعب (ببلية) صغيرة.. أو (بضراب كوريا) وهو من الزجاج أيضاً.. لكنه يمتاز بكبر الحجم. في السياسة هناك حوافز لأهل الولاء وإقصاء لأصحاب التجارب والخبرات.. في البِلي هناك نوعان (ماكل ما ماكل) وفيها إذا كسبت بِلية لا مرد لها.. و(إلا الماكل) وفيها إذا ناشك الخصم يأخذ منك البِلية المخروتة.. في السياسة نوعان.. موالي ومعارض.. الموالي يخرت الجميع ويمكن أن يخرق قانون اللعبة.. ومعارض لا يثق أبداً في النظام. في البِلي إذا (حقص) ضرابك في اللين لن تتخلص إلا بلعبة (نظر).. وفيها تنتاش البلية بالضراب بعد أن تضعه أمام عينك وتحوش البلية بأطراف قدمك.. فإن اصطدتها تخرج من أسر اللين.. وأن لم تصطدها تبقى حبيس اللين. في السياسة إن كنت معارضاً شرساً يتم اعتقالك تحفظياً ولن تخرج إلا بضغوط محلية أو دولية.. في البِلي (الخرخار) يفسد اللعبة بالاحتجاج وادعاء أن الخصم لا يلعب بنزاهة.. في السياسة (الخرخار) يتهمك بالعمالة لدول أجنبية وتنفيذ أجندتها. في البِلي بعد أن يتم (خرتك) تماماً تضطر إلى شراء بِلي من الخارت وتواصل اللعب.. في السياسة بعد أن يتم (خرتك) وأنت في المعارضة.. لا تستطيع مواصلة اللعب بالشراء أو غيره.. إلا أن تنضم إلى (الخارت) وتصبح شريكاً له مع وقف التنفيذ.. في البِلي هناك أول وثانٍ وثالث وهكذا.. يمارسون اللعب بالترتيب.. في السياسة هناك أول وطيش فقط.. لا يوجد ثانٍ وثالث وهكذا.. البِلي لعبة ذكورية لا تشارك فيها الفتيات.. وإن دقت صدرها ولعبت أطلقوا عليها لقب (محمد ولد).. في السياسة يسيطر الذكور.. ولأنهم لا يستطيعون تهميشها تماماً فيسمحون لها بأداء أدوار بسيطة.. فإن أصبحت رئيسة حزب قصروا دورها على المصالحة بين المتنافرين من قادة الأحزاب الكبيرة. البِلي لعبة لا تخلو من مقامرة.. والسياسة لعبة لا تخلو من قذارة.