أصدر مركز أبحاث أردني مؤخراً أول ترجمة عربية للتلمود البابلي الذي يمثل أكثر التعاليم الدينية أهمية في الدين اليهودي. وهي ترجمة حرفية تهدف إلى مساعدة العلماء والباحثين الذين يدرسون الإسلام والقضايا الدينية المقارنة على فهم التلمود. وقد عكف 95 مترجماً وباحثاً على إخراج النسخة العربية من التلمود التي تحتوي على 20 مجلداً، وتحتوى النسخة على 7100 صفحة وإستغرقت ترجمتها ست سنوات. والتلمود كلمة عبرية تعني الدراسة، وهو كتاب تعليم الديانة اليهودية، وبتعريف آخر هو تدوين لنقاشات حاخامات اليهود حول الشريعة اليهودية، الأخلاق، الأعراف، وقصص موثقة من التراث اليهودي، وهو أيضا المصدر الأساسي لتشريع الحاخامات في الدعاوى القانونية. والتلمود مركب من عنصرين، الميشناه وهي النسخة الأولى المكتوبة من الشريعة اليهودية التي كانت تتناقل شفوياً، والجمارا وهذا القسم من التلمود يتناول الميشناه بالبحث والدراسة(أحيانا يستعمل أحد المصطلحين تلمود أو جيمارا للدلالة على المصطلح الآخر). لكن بينما يصنف الجيمارا كتعليقات على الميشناه وككتابات للحاخامات الحكماء، نراه أيضا يخوض فى مواضيع أخرى في التناخ ويتناولها بالشرح الواسع. والجيمارا هو المبادئ الأساسية لجميع قوانين شريعة الحاخامات، وهو علاوة على ذلك إقتباسات من مؤلفات ادبية لحاخامات آخرين. والتلمود ومن ضمنه الجيمارا يقترن بشكل تقليدي بوصفه شاس(إختصار عبري لعبارة شيشة سيداريم أي الدرجات الست للميشناه). ويدعي اليهود أن سيدنا موسى عليه السلام ألقى التلمود على بني إسرائيل فوق طور سيناء ، وحفظه عند هارون، ثم تلقاه من هارون يوشع بن نون، ثم إليعاز وهلم جرا... حتى وصل الحاخام يهوذا حيث وضع التلمود بصورته الحالية في القرن الثاني قبل الميلاد. ويعطي اليهود التلمود أهمية كبرى لدرجة أنهم يعتبرونه الكتاب الثاني، والمصدر الثاني للتشريع، حتي أنهم يقولون أنه من يقرأ التوراة بدون المشنا والجمارة فليس له إله والمشناة والجمارة هما جزءا التلمود. وتعتقد اليهودية الأرثوذكسية بأن كتب التناخ نقلت بشكل متطابق من التقليد الشفوي المتواتر. وهكذا فإن التوراة هي الشريعة المكتوبة أما الشريعة الشفوية فوظيفتها التعامل مع تطبيقات وتطويرات المعاني المكتوبة. والتلمود إذاً وبشكل نهائي يؤلف الإنشاء المكتوب والموثوق لهذا التقليد وبهذا يكون التلمود العامل والمؤثر الرئيسي في الإيمان والمعتقد اليهودي. وعلاوة على ذلك بالرغم من أنه ليس شريعة قانونية رسمية، فهو القاعدة الأساسية لجميع التشريعات القانونية اليهودية اللاحقة. وهكذا نراه يتابع بذل الجهد كمؤثر رئيسي في الهالاخا والممارسات الدينية اليهودية. فالتلمود هو تنظيم محتوى الحكمة بين الوصية والتطبيق. ويتألف التلمود من ستة مباحث(سداريم، مفردها سِدِر أي سِلك)، وكل واحد من هذه المباحث يتألف من 7 إلى12 مقالة تُدعى مسيخوت (مفردها مسيخت) وهي سِدِر زِراعيم (البذور) وهو يبحث في الصلوات والعبادات، ثم الأعشار والتشريعات الزراعيّة. وسدر مُوعيد (الفصول) وهويختص بالأعياد عند اليهود وأحكام يوم شبّات والتقاليد الخاصة به. وسدر نشيم(النساء) وهو يختص بقوانين الزواج والطلاق وحلف اليمين والنذور والوصايا، وسدر نزيقين (العقوبات) وهو يشتمل على التشريع المدني والجزائي، وطريقة عمل المحاكم وتحليف الأيمان، وسدر قداشيم(المقدسات) ويبحث شعائر التضحية والهيكل وأحكام الصوم، وسدر طهروت(الطهارة) وهو يختص بأحكام الطهارة الشعائرية. وقد دونت الشريعة اليهودية الشفوية وعرفت سم الميشناه عام 200م، ودونت التقاليد الشفوية لكي تحفظ من الضياع بعدما بات وجود اليهود وتعاليمهم موضع تهديد في فلسطين. وفي القرون الثلاثة اللاحقة خضعت الميشناه للتحليل والدراسة في كل من فلسطين وبابل (أكثر أماكن تواجد اليهود في العالم في ذلك الزمان). وعُرف ذلك التحليل والدرس بإسم الجمارا، وحاخامات الجيمارا عرفوا بإسم أمورايم بمعنى «تراجمة» مفردها أمورا، وتحليلات الأمورايم بشكل عام تركز على إيضاح مواقف وكلمات ورؤى التانايم.