اهدتني اسرة الزعيم الوطني الراحل -المقيم محمد ابراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني- كتاباً هو عبارة عن عدد خاص اعدته مجلة «قاسم» الاصدارة الدورية للمكتب الثقافي للحزب الشيوعي السوداني بعد مرور ثلاثة شهور على رحيل نقد، جمعت فيه تقريباً كل ما كتب عن الفقيد الكبير ايام العزاء، فلاسرة نقد جزيل الشكر والامتنان لرفدي بهذه الوثيقة المهمة، التي تؤكد دأب الحزب والاسرة الكريمة وحرصها على تخليد ذكراه. والكتاب الوثيقة الذي صدر في شهر يونيو الماضي هو ايضاً مقدمة للاحتفال بتأبين كبير في (21-22) اكتوبر المقبل ليتزامن ومرور عشرة شهور على رحيله (22 مارس) الماضي مع الذكرى السنوية لثورة اكتوبر 1964، باعتبارها اول احتفالات للثورة بعد غيابه، ولكل اجل كتاب. لكن ما لفت نظري في الكتاب هو اناقة تصميمه الذي وضع وجه نقد بعمامته المعهودة افقياً -على غير العادة- ترميزاً للرقدة الابدية، والاستفادة الذكية من «اللون الاحمر» على مساحة طغى عليها اللونان الرمادي والاسود، خلافاً لما جرى عليه العرف في المنشورات الشيوعية واليسارية التي تعمد الى الاستخدام الزائد للون الاحمر كشعار معتمد في حد ذاته، مثلما ما استوقفني اسم الدورية الثقافية «قاسم» ذاتها والتي صدر منها حتى الان ستة اعداد فقط، فهي تحمل اسم الزعيم العمالي الكبير «قاسم امين» احد قادة الحزب التاريخيين والمؤسسين، فقاسم هو القيادي الابرز بين اولئك القادة الذي جمع بين كونه كادراً عمالياً بحق، تخرج في مدرسة «الصنايع» وبين كونه مثقفاً كبيراً وخطيباً مفوهاً يهز المنابر ويعبيء الساحات في الوقت ذاته. ü عنوان الكتاب الذي اعدته مجلة «قاسم» كان جملة مفيدة واحدة هي: «بنحلم بي وطن يشبه ملامحك يا نقد..» وحشد فيه محررو المجلة كل البرقيات الواردة للحزب والاسرة في تلك المناسبة الحزينة، وكل ما تيسر من مقالات او دراسات صدرت بعد قليل من رحيله، لكن اهم ما فيها هو ذلك الاجماع الذي لاحظته الاستاذة فايزة نقد -لدى اتصالي بها امس للاستفسار عن تاريخ التأبين المنتظر- فقد لاحظت فايزة ان هناك عدداً من النقاط والمزايا في شخصية الفقيد الكبير اجمع عليها تقريباً كل من كتبوا ناعين له او معلقين على رحيله، وقد وافقتها على تلك الملاحظة التي استوقفتني كذلك وانا اطالع محتويات الكتاب، والتي قالت انها تحاول الان حصرها لاعداد دراسة خاصة عنها. والى حين صدور دراسة الاخت فايزة، اقدم فيما يلي مقتطفات مختصرة عن بعض ما قيل وما كتب في حق الزعيم الراحل نقد من قبل شخصيات متباينة ومتفرقة في الجغرافيا وفي التوجهات السياسية والفكرية، ما يشي بالمكانة الكبيرة التي احتلها نقد في قلوب وعقول هؤلاء على تباينهم واختلافهم. ü محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية: فقد السودان بشخصه ابناً وفياً.. وكان احد اشد المناصرين لنضال شعبنا من اجل انهاء الاحتلال لوطنه واقامة دولته المستقلة. ü سلفا كير ميارديت، رئيس دولة الجنوب: كان رمزاً قومياً، لن تفقده اسرته وحدها، او الاحزاب السياسية وجمهورية السودان، بل ستظل اسهاماته للسودان عامة تعيش في ذاكرة جماهير جنوب السودان. ü خالد حدادة، امين عام الحزب الشيوعي اللبناني: بالنسبة لنا نحن الشيوعيين اللبنانيين كان الرفيق محمد ابراهيم نقد واحداً منا، كما كان الحزب الشيوعي السوداني الذي قاده بعد استشهاد الرفيق القائد عبد الخالد محجوب اقرب الاقربين الينا، يوم تعرض حزبنا للملاحقة ومفكرونا للاغتيال، وكذلك في احلك الظروف بُعيد الاحتلال الصيهوني لوطننا. ü اتحاد الكتاب السودانيين: برحيله يفتقر الوطن الى احد ابرز الحكاء في تاريخه، فقد ظل بالاضافة الى اعباء قيادته لحزبه يرفد المكتبة السودانية بمؤلفاته القيمة في الاقتصاد والفلسفة والتاريخ والاجتماع وعلم السياسة ويثري النقاش الوطني العام بالافكار المستنيرة.. كان دأب الفقيد دائماً في هذه الاعمال الجليلة توخي دقة العبارة وسداد المصطلح وحلاوة الصياغة الامر الذي جعل لكتاباته متعة اضافية فوق متعتها المعرفية. ü الصادق المهدي، زعيم حزب الامة: كان مناضلاً جسوراً من اجل وطنه ومبادئه، وما من مناضل الا التقاه في مخبأ او سجن او منفى او حشد او لقاء جامع، عرف فيه شخصية فيها التسامح والتواضع وحسن الخلق.. والتواضع كما تعلمون هو خير الاعمال لان فيه فرق ما بين المظهر المتواضع والمخبر العظيم، والناس تجسر الهوة بينهما، لذلك قيل «الارتفاع بالانتفاع».. هذا هو شعار نشيعه به لسلوكه في هذا المجال. واخيراً نقول الخلق عيال الله، فاحب الخلق الى الله من احسن الى عياله، وقد كان الفقيد الراحل يسعى دائماً لخير عيال الله. ü حسن الترابي، زعيم المؤتمر الشعبي: كان «نقد» كثيراً ما يطلب مني كتب التفسير الا انه كان يختار ايسرها وما يتماشى مع الحياة العصرية.. وكان مهما جانبك الرأي فهو يقاربك في الانسانية، وهو سمح لا تسمع منه نابية، وكان طيباً منذ ان عرفته في الثانوي لا يعانف احداً لانه خالفه الرأي.. «جريدة الاحداث». ü امينة النقاش، جريدة «الاهالي»: يرحل نقد ويختفي قسراً مرة اخرى واخيرة في وقت تشتعل فيه المعركة التي خاضها على امتداد نحو اكثر من خمسين عاماً من اجل دولة مدنية ديموقراطية حديثة، وحكم الانقاذ يمضي في خطابه لتمرير دستور اسلامي.. في الوقت الذي تشتعل الحرب الاهلية في جنوب وشرق وغرب السودان، وهي حروب تتهدده بالتقسيم مرة ثانية وثالثة، ورغم الغياب فان معركة حياة نُقد سوف تستمر في رسوخ مباديء واهداف الحزب الشيوعي السوداني الذي يتمسك بالسير على هديها الجيل التالي من الشيوعيين السودانيين ليبقى نقد حاضراً رغم الغياب. ü سمير دياب، جريدة «النداء» العراقية: محمد ابراهيم نقد اسم سيقف التاريخ امامه طويلاً حاملاً في متنه تجارب هذا الشهيد الحي، المناضل الشيوعي الزاهد «البسيط» الانسان الصادق في خدمة شعبه وعدالة قضيته الوطنية. تلونت صفحات التاريخ بلون دماء رفاق ورفيقات الحزب الشيوعي السوداني السخية، من كل المراتب الحزبية، قيادي وراء اخر، ورفيق يودع رفيق، وصديق يعانق صديقه في انتظار زخات الرصاص وروائح البارود القاتل.