ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد يا فقد وطن.. الوداع الأخير.. محطات ومواقف
نشر في الراكوبة يوم 27 - 03 - 2012


الخرطوم :بكرى وجدان لينا ابراهيم خالد يوسف
الطريق إلى منزل الراحل سكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد بضاحية الجريف غرب لم يكن صعباً لمن لا يعرفه، فمنذ الساعات الأولى من الصباح تقاطرت الجموع لمطار الخرطوم لاستقبال جثمان الراحل، رافعين شعارات الحزب الشيوعي والأحزاب السياسية الأخرى، مرددين شعارات الحزب المعروفة التي تمجد كفاح الطبقة العاملة، وتؤكد سيرهم في طريق السابقين.
ومن ثم تحرك الموكب الحزين بعد أن وضع الجثمان على عربة (بوكس) وضعت في مقدمتها صورة معروفة لنقد ومن خلفه أهرامات البجراوية التي طالما تعلق قلبه بها، ليتقدم الموكب في تلك الساعات الأولى من الصباح لمنزل الأسرة وفقاً لما هو متبع.
المحطة الثانية
جموع غفيرة ممن تربطهم علاقة بسكرتير الحزب الشيوعي جاءوا من أماكن مختلفة قبل أن تشرق الشمس ليلقوا النظرة الأخيرة على إنسان عاش بينهم يكنون له الحب والود والاحترام , يتصافحون ويصبر بعضهم بعضاً بعبارات ملؤها الإيمان والرضاء بقضاء الله وقدره , وبين الفينة والأخرى تسمع من يشدد على أن الراحل سيظل باقياً بين ضلوعهم ما بقوا على وجه الأرض. آلاف من عضوية الحزب ومن أقارب وأصدقاء الراحل بل وحتى الناشطين السياسيين تحلقوا حول منزله قبل أن يتحرك الموكب الحزين لدار الحزب بالخرطوم (2)، العامل المشترك بين تلك الجموع كان الحزن الموسوم في وجوههم، والجرح الغائر في أنفسهم، فذرفت الدموع، ولم تفلح محاولات البعض لسترها عبر المناديل وبات كل يبكي على طريقته.
المحطة الثالثة
أمام دار الحزب تراص العشرات منذ وقت مبكر في انتظار حضور الجثمان، رافعين صور زعيمهم الراحل، أو ملصقين صوره على ملابسهم بمحاذاة القلب في رمزية لا تخفى على أحد.
في تلك الأثناء تسبب تدافع المشيعين لدار الحزب في تعطيل حركة المرور بالشوارع المحيطة بالدار، مما دفع بعدد من الشباب للتطوع لتسيير حركة السير، بعض المشيعين فضل إيقاف سياراته بعيداً عن الدار تفادياً للزحام ومن ثم ترجل ماشياً. في الأثناء اختلطت اليافطات تنعي القائد وتعبر عن فرعية الحزب بمنطقة معينة أو قطاع بعينه.
كلام البيت
"أخت الراحل" آسيا نقد قالت:" كان إنساناً ذا خلق حسن طيب واسع الصدر يحب الخير لكل الناس وأضافت ل(السوداني) إنها جاءت لتودعه قبل سفره إلى لندن وأقامت معه لمدة أسبوع، وكان محاطاً بمعارفة وأحبائه كما عهدناه, هو طيب وطيبته التي تركها بين الناس أنتِ تريها الآن" -وأشارت بيدها لموكب التشييع-. لكن حزنها كان أكبر من أن تدلى بأكثر من ذلك واعتذرت ووعدتنا بأن تتحدث إلينا بعد الدفن.
فى ذات الوقت كانت ابنة خالة الراحل سميرة تبكي بحرقة على فراقه اقتربت منها وسألتها عنه فقالت:"ولدنا عديل.. حنين.. شخص ماساهل وهو معنا في الحلوة والمرة"، وأضافت ل(السوداني) إنه شخص متواضع لأبعد حد طيب القلب متواضع , وزادت أيضاً أنها آخر مرة رأت فيها الراحل عندما جاءت من القطينة لوداعه, و أن الراحل طلب منهم أن يبقوا قليلاً في الخرطوم عندما قرروا الرجوع، لكنهم اعتذروا ووعدوه بأنهم سيأتون مرة أخرى بعد عودته بالسلامة. من جهتها ترحمت قريبته سيدة محمد على روحه وقالت:" الكلمات عصية فى حق الراحل"، ولكنها أضافت أنه شخص مرح يقابل أعتى المواقف باسماً.
يا الحبيب ويا الخطيب.. فقدك وطن
تقرير: يوسف دوكة
توافدت أعداد كبيرة وجموع غفيرة نحو دار الحزب الشيوعي بالخرطوم اتنين وازدحم الشارع بالعربات والرجال والأطفال والنساء والمئات بدار الحزب وكان النحيب هو سيد الموقف النساء يرددن الهتافات بصوت متحشرج "يا الحبيب ويا الخطيب" والرجال مثلهم لم يتمالكوا مشاعرهم وظلوا يرددون بهستيرية (نقد يافقد ياوطن.... عاش عاش نضال الشعب). وبالرغم من أن الحزن يشار إليه باللون الأسود ولكن في تشييع الفقيد نقد كان اللون الأحمر هو سيد الموقف،
وما أن أشارت عقارب الساعة إلى الثامنة صباحاً أدخلت عربة بوكس بها مجموعة من الرجال يحملون صور للفقيد ويهتفون (ماشين في السكة نمد.... من سيرتك للجايين) ووقف البوكس بالقرب من باب الحزب وبعدها أنزل منه جثمان نقد الذي كان موشحاً بعلم السودان وفي هذه اللحظة دخل كثير من الحاضرين في حالة إغماء وبعدها وضع الجثمان وسط سوح دار الحزب.
بعض أفراد الأسرة استنكروا حضور بعض الأفراد من المحسوبين على أعداء الحزب، ورددوا بصوت مسموع:"ديل الجابهم شنو؟.. وعايزين منو شنو؟"، إلا أن بعض قيادات الحزب تدخلت وقالت له بصوت عالٍ:"اسكت اسكت.. نقد دا ما فقد للحزب الشيوعي، نقد فقد الوطن"، وفي هذه اللحظة أجهش الجميع بالبكاء.
مشاهد ولقطات من موكب التشييع
سجلها: بكري خليفة
عزاء خاص
مرتدية الثوب الأبيض عليه وشاح أحمر حرصت على أن تصطحب أطفالها الخمسة وهم ما دون الثانية عشر معها لالقاء النظرة الأخيرة على سكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد، فى حين ارتدى أطفالها ملابس حمراء، رابطين عصابات من ذات اللون على رؤوسهم يحملون علم في أيديهم وهم يرددون وراء والدتهم (لا إله إلا الله) وكأنهم ينظمون مراسم عزاء رسمي لنقد خاص بأسرتهم يليق بفقد زعيم وطني، ليمر الموكب بجوارهم وفي ترقبهم لتتعلق عيون الصغار بصورة سترسخ في أذهانهم لوقت طويل وربما تغير مسار حياتهم.
زول ما ساهل
العم عبد الله كان يتكي على سور أحد القبور وتبدو عليه آثار الإرهاق قلت له (البركة فيكم) فقال البركة في أمة محمد فقال ياولدي تعبان جيت أمس من سنار عشان أودع نقد فهو زول ما ساهل أسأل الله أن يرحمه ويغفر له.
خطوات متمهلة
القيادية بحزب الأمة مريم الصادق كانت تسير بخطوات بطيئة بين المقابر حتى لاتطأ بأقدامها حرمة المقابر وهي في طريقها إلى مكان الدفن وبين الفينة والأخرى يوقفها رجل أو امرأة ليعزيها فترفع يديها بالفاتحة وتعزيه.
وقف خاص
وأنا أهم بالخروج لمحت أحد القبور يحمل تاريخاً بالغاً في القدم لمتوفي في العام 1937م قبل الاستقلال فقال لي مرافقي إن هذه المقابر قد أوقفها الملك فاروق منذ القدم لتكون وقفاً للمسلمين ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن يدفن فيها الموتى وقد شارفت على الامتلاء وضمت بين جنباتها العديد من رموز ومشاهير السودان.
جنازة حمراء..وصية نقد الأخيرة
رصد: ابراهيم عبد الغفار
يبدو لك المشهد من على البعد أحمر، الكل كان يقف ويبكي. الكل يردد في سره "لقد فقد السودان قامة من أرفع القامات السياسية في البلاد الذي ظل أغلب عمرة تحت الأرض ، عندما دلفت الى داخل فناء الدار وجدت كل من في الدار صامتون وفقط في وجوههم الدموع. جلست لدقائق معددودة وبعدها سمعت أصوات الطبول تطرق وتقترب قليلا قليلا ويزداد معها البكاء.
وصل جثمان الفقيد في حوالي الثامنة والنصف ووضع في فناء الدار، لتتعالى بين جنباته أصوات الشعارات الشيوعية الحمراء المعروفة، جاء أحد الذين يتمالكون أنفسهم وخطب في الناس وعندما تحدث بدأ بعض الحضور فى تجفيف دموعه وقال لهم إن هذه اللحظة التي فيها يحتاجنا الفقيد للدعاء له ولا داعي للبكاء، كما شدد على ضرورة توحيد صفوف الحزب الشيوعي والمحافظة على وصية نقد وأن نرص صفوفا ولا نترك ثغرة للأعداء، وأشار الى أن الفقيد قاد كل المعارك ولم يتزحزح أبدا ولم ينهزم وقدم الكثير. حتى الرمق الأخير كان في قلب المعركة ومازال يحمل آثار المعركة في جسده الى أن وضع في التابوت، وقال إن نقد لم يمت لأن أمثاله يجب أن يحيوا لآلاف السنين، وأضاف: "لو دايرين نقد يعش ألف سنة لازم نتوحد ومانتفرق ونقف ضد أعدائنا ليعيش نقد".
بلغت الساعة التاسعة وجاء أحد قيادات الحزب من داخل الغرفة التي كان دائما يجلس فيها نقد وأمر الناس برفع الجثمان والتوجه به الى مقابر فاروق باعتبار أن زمن التحرك قد أتى فأخذ شباب الحزب الذين كان غالبيتهم يرتدون الأوشحة الحمراء وتحرك الموكب المشيع في السيارة وكل المشيعين سيرا على الأقدام بجانب العربة المكشوفة التي يوجد فيها الجثمان وفي كل أنحاء الطريق كان المنظر جميعه أحمر الى أن وصل المشيعون الى مقابر فاروق، أما الوصية الأبرز لنقد والتى رفعت كشعار كانت:"سلم وطيد..وطن مجيد".
كلمات على دفتر الوداع
"كان مناضلاً جسوراً من أجل وطنه ومبادئه، وما من مناضل إلا التقاه في مخبأ أو سجن أو منفى أو حشد أو لقاء جامع، وهناك عرف فيه شخصية فيها التسامح والتواضع وحسن الخلق، عبر عنها بصورة كبيرة، كما كان الراحل راهباً في التبتل والفدائية من أجل المبادئ التي يؤمن بها، صمد صموداً في كل الظروف التي واجهته، صمود لا يعرف ولم يعرف مع مرونة التعامل أية حالة من حالات الذبذبة أو التراجع".
الإمام الصادق المهدي
"قدم الفقيد عطاءً كبيراً لقضية الديمقراطية وأصبح قائداً نزيهاً وعفيفاً لدى الأمة السودانية واحد الذين عملوا من أجل الوفاق الوطني في البلاد في الأيام الأخيرة مشيراً إلى أنه أحد الداعمين لخط إسقاط النظام هو القدح المعلى في قوة تحالف قوى الإجماع الوطني الذي تأسس في دار الحزب الشيوعي، لذلك فإن نقد ليس قائداً للحزب الشيوعي فقط وإنما ملك للشعب السوداني وقضايا الديمقراطية في العالم أجمعه".
الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر
"نحن سنحافظ على الحزب الشيوعي عملاقاً موحداً، وهنا نشكر القوى السياسية والشعب السوداني الذي شيع رمزاً من رموز الوطن وهذا إن دل وإنما يدل على حب الشعب السوداني للفقيد الذي رحل بجسده ولكن ستظل روحه الطاهرة ترفرف بيننا".
الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني يوسف حسين
وداعا لمن رسم لوحة جميلة للسودان
نقد.. فلترقد آمنا وسط الطيبين
كأن الأموات في قبورهم يتساءلون "ترى أي ضيف عظيم حل علينا اليوم؟ من هذا الذي يبكيه الرجال قبل النساء؟".. يبدو أنهم كانوا يحسون بأقدام القادمين ويسمعون أصوات المشيعين.. الأحياء كانوا عكسهم تماما.. كانوا يدركون أنهم يودعون قائدا عظيما متواضعا لن يتكرر في هذا الزمان بذات الأخلاق والصفات.. كانوا يعتصرون ألما وهم ينزلون نعشه الكريم إلى مثواه الأخير.. صحيح أنهم يعلمون أن الموت حق "وكل من عليها فان" غير أن أمانيهم في تلك اللحظة أن يكون المشهد مجرد اختفاء، أو إحدى المحطات المؤقتة التي يغادر إليها الزعيم ليعود إلى محبيه بعد سنوات.. لكنها لم تكن كذلك، حقا فقد كان "الاختفاء الأخير".
يكفي محمد إبراهيم نقد أن آلافا من المواطنين أحبوه بصدق، رجالا ونساءً شبابا وأطفالا.. يكفيه أنهم آمنوا بأفكاره بصدق وودعوه بصدق ودعوا الله له بصدق.. يكفيه تلك الجموع الغفيرة الباكية التي حضرت لتلقي عليه النظرة الأخيرة.. يكفي هذا المناضل أنه اتصف بأحب الصفات إلى الله ورسوله وإلى الناس على وجه العموم.. قالوها له أمس وقد كان يسمعهم "فلترقد بسلام مع الآمنين".
حضرته: لينا يعقوب
أمس الأحد، لم يتضايق أحد، من إغلاق الشوارع أو التأخير.. الموكب المهيب الذي تحرك من بيت المغفور له إلى دار الحزب الشيوعي أغرى من رآه باتباعه بل والمشاركة فيه.. كانت رحلة "وفاء" لكل من أحب الراحل ولمن عرفه عن بعد أو قرب..
رغم أن أحدا لم ينم من أقارب وأصدقاء نقد والمنتمين إلى الحزب الشيوعي منذ فجر أمس الأول، إلا أن النشاط كان بادياً عليهم.. كانوا مستعدين لاستقبال جثمان الراحل في الثالثة صباحا من فجر أمس.. التكبير والتهليل وإعلان الحب والتأكيد على الوفاء كانت هي الشعارات المرفوعة والأشياء التي تقال.. التشجيع إلى قيام الثورة وتغيير النظام كانت أيضا ضمن الهتافات.. لم يهدأ ذلك الموكب المهيب، لم يتعب منهم أحد.. ذات قوة الصوت والسير، ذات الحماس والحزن، ذات الألم والتفاؤل.. ذات المشاعر المتناقضة كانت بادية على وجوه الجميع لساعات طويلة..وكأن لسان حالهم يقول، يا ترى من لم يحزن اليوم على نقد؟
في العين والقلب
هي صورٌ كثيرة كانت للقائد والمناضل نقد، مرفوعة على الأيادي ومتوسدة على الأعناق.. صورٌ عكست الماضي والحاضر وأكدت على الوفاء في المستقبل.. النساء والأطفال والرجال كانوا يرفعون صور الراحل المقيم في السيارات والحافلات، كانت صوره ملصقة على الجدران وعلى أبواب البيوت، وكأنها أرادت أن يتأكد محمد إبراهيم نقد وهو يتجه إلى مرقده الأخير، أن روحه وأفكاره ومبادئه ستظل عالقة على القلوب والعقول كما تلك الصورة الملصقة في جنبات الطرق.. إن كان حاملي جثمان نقد يقفون تحت النعش فإن حاملي صوره لم يكونوا أمام الموكب وخلفه فقط إنما عاليا يقفون على أسطح العمارات والبيوت.. كانت رسالة بأنه أحاطهم من كل الجهات وفي جميع الأشياء.. بالقوة والطيبة، بالفكر والثبات على المبادئ، بالأخلاق وعفة اليد واللسان.. فحاولوا أن يبادلوه حبا بحب ووفاءً بوفاء.. كانت صور نقد المبتسمة تستصحب معها شعارات كتبها المنتمون للحزب "ثائرون سائرون على الطريق ساهرون" و"أنت أمين في الخالدين" و"عاش كفاح الطبقة العاملة" وحملت إحدى الصور وصيته التي قال فيها "سلم وطيد.. وطن مجيد".
نقد.. كان للجميع
الفرق في موكب نقد وبين أي موكب آخر.. أن هذا التشييع لم يكن للشيوعيين فقط، ولم تقتصر مراسمه عليهم.. من يرى راية الختمية ترفرف في المقابر أو يسمع (البرّاق) الذي كان يُتلى فوق الجثمان لاعتقد أن "المشيع" من الاتحاديين، ومن يشاهد علم الأنصار لقال إن هذا الموكب يخص حزب الأمة.. من يرى علمي السودان (القديم والجديد) لحاول أن يبحث لأي حقبة ينتمي هذا المتوفي، هل ناضل في السودان القديم أم الجديد؟ من يسمع الشعارات التي اهتزت لها المقابر والتي كان يهتف بها الأنصار والشيوعيون لتأكد على الفور أن هذا القائد يمثل لوحة لوطن كامل، يمثل حقبة نضال لشعب متصل الأجيال..
مقابر فاروق بالأمس هي قصة لا بد أن تُحكى يوما ما، شيوخ تصعب عليهم الحركة، نساء متقدمات في السن، أطفال صغار، أفراد من جنوب السودان، شباب وشابات، ينتمون لمناطق مختلفة من هذا البلد العريض وقفوا ليلقوا تحية الوداع الأخيرة.
الترابي، المهدي، بكري
إن كان لصلة القرابة التي تجمعه مع الراحل أو لتمثيله الحكومة، فقد كان وزير رئاسة الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح هو ممثل الحكومة في هذا التشييع، الذي لم يحضره من المؤتمر الوطني أي من قياداته المعروفة أو غير المعروفة.. زعيم المؤتمر الشعبي الشيخ حسن الترابي ورئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي كانا أبرز القيادات الحاضرة.. حينما اتجه الصحفيون إلى الترابي ليقول نبذة عن الراحل قال إنها ساعة تشييع والجو غير ملائم للحديث وأن ذكر مآثر الراحل ستكون في "التأبين" غير أنه عاد وقال "اذهبوا لأهل الكلام" في إشارة منه إلى المهدي، والمهدي لم يبخل بإعطاء القليل إلى وقت التأبين، حيث أشار إلى أنه كان مرنا متسامحا مع نفسه ومع الآخرين مؤكدا أن أهل السودان ما جاءوا بهذا المشهد الحاشد إلا ليبادلونه نفس المشاعر.
نقد.. حضرنا ولم نجدك
بالذكريات الطيبة حضر محبو نقد.. وبالتفاصيل المؤلمة جاءوا كذلك.. لن ينسى الجميع تلك العبارة التي كتبها الزعيم الراحل حينما اتفق جميع أحزاب المعارضة على تسيير مظاهرة سلمية بميدان أبو جنزير، فمنعت السلطات الأمنية تسيير تلك المظاهرة.. غير أن نقد ذهب غير مكترث بتلك الأوامر –كما تقول الرواية- ووصل إلى مكان الالتقاء حيث الاتفاق، لكنه لم يجد أحدا من نظرائه الزعماء، فكتب على كرتونة "حضرنا ولم نجدكم".. فكانت هذه العبارة المؤثرة حاضرة على مقابر فاروق أمس، حيث حمل أحد المشيعين في المقابر كرتونة كتب عليها "حضرنا ولم نجدك" متحسرا على ما مضى ولسان حاله يقول "وا أسفا على الماضي"
مواقف من المقابر
رغم أن الأجواء كانت حزينة للغاية.. غير أن مواقف يمكن أن توصف بالطريفة حدثت بالمقابر أمس، فحينما رأى أحد الناس تلك الجموع الغفيرة تفرغ من الدعاء إلى الراحل حتى دعا بصوت عال ليقول الجميع وراءه آمين "اللهم إنا نسألك أن توحد صفوف الاتحاديين" فابتسم البعض إلى الحال الذي وصل إليه هذا الداعي، كما أن آخر أغراه هذا الحشد فما كان منه إلا أن يقول "اللهم انصرنا فلقد اقتربنا من تحرير الأقصى"..
غير تلك الأدعية.. شهدت المقابر حالات من الإغماءات والبكاء.. غير أن الجميع قبل أن يخرجوا دعوا الله بصدق أن ينزله منزلا مباركا ويدخله فسيح جناته.. ألا رحم الله الفقيد وجعل مكانته بين الصديقين والشهداء.. اللهم آمين.
في رفع فراش "نقد" .....السودان يتوحد ...!
الخرطوم: خالد احمد
هو موكب لا يمكن إلا أن تصفه بالمهيب رفع فيه علم السودان عاليا برفقته علم الحزب الشيوعي بلونه الأحمر الثوري. حملت آلاف الأيادي صباح أمس جثمان الفقيد زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد في رحلة وداعه الأخيرة ليوراى الثرى بمقابر الفاروق بالخرطوم.
فوق قبر نقد كان السودان كله حاضرا حيث رفعت أعلام الطرق الصوفية تتزاحم مع أعلام الأنصار وحزب الأمة يتوسطها علم الاستقلال بجانب علم الحزب الشيوعي ويطغى عليهم جميعا علم السودان والأيدي التي رفعت بالأمس أكفها بالدعاء "لنقد" توزعت بين كافة طوائف السودان حيث تجاوزت الانتماءات السياسية والجهوية لتشكل لوحة قومية لولا فداحة الفقد لفرح الناس بها.
أرض اليسار
تحول المشهد عند الساعة الخامسة مساء؛ عند مراسم رفع العزاء الذي امتلأ بجموع المعزين التي لم تنقطع الى مهرجان سياسي علت فيها الهتافات وسط حضور كثيف من قادة القوى السياسية تقدمهم الأمين العام للمؤتمر الشعبي د.حسن الترابي ورئيسة المكتب السياسي لحزب الأمة القومي د.سارة نقد الله بجانب رئيس وفد حكومة دولة جنوب السودان بيتر ادوم ورئيس الحزب الشيوعي بدولة الجنوب جوزيف مادستو وجاء أيضا القيادي السابق بالحركة الشعبية المحامي غازي سليمان بحانب العديد من القوى السياسية.
بعد أن قام أحد "زملاء" الحزب الشيوعي بتلاوة القرآن الكريم تحدث الناطق الرسمي للحزب يوسف حسين بعبارات الحزن معددا مآثر الفقيد مشيرا الى أن السودان برحيل نقد يكون قد فقد أحد قادته السياسيين الذي ضحوا بحياتهم من أجل قضيتهم التي ناضلوا من أجلها كل تلك السنوات دون أن يتنازلوا عن قضايا المهمشين والغلابة، مشيرا الى أن الجموع التي خرجت لتششيع "نقد" عبرت بشكل واضح عن كبر الفقد وأن الجماهير التي خرجت عبرت أيضا رفضها للأوضاع التي تمر بها البلاد داعيا قوى المعارضة إلى مواصلة الدرب الذي وضعه "نقد" للتغيير والتكاتف من أجل بناء السودان.
حسين لم ينس أن يرسل إشارات لبعض الجماعات السلفية التي رفض أن يترحم الناس على "نقد" بالقول إن الدين لله وإن الدين الإسلامي يدعو للسماحة وليس الشمولية، مشيرا الى أنهم يرفضون طرح جبهة الدستور الإسلامي التي تطالب بوضع دستور إسلامي، وأشار الى أن حزبه يحترم كل الأديان بجانب رفض كل دعاوي التكفير والإلحاد، مشيرا الى أن حزبه ما يزال يتمسك بالماركسية اللينينية المنفتحة على الآخر وليس كما يقولون "كفر وإلحاد وزندقة"-على حد قوله -وداعيا قوى المعارضة للتحالف وراء الأجندة الوطنية .
تحدث أيضا القطب الاتحادي سيد أحمد الحسين عن مآثر الفقيد وأشار الى أن البلاد تحتاج الآن للتكاتف معتبرا رحيل نقد فقدا وخسارة كبيرة للحزب الشيوعي وللسودان كما تحدث أيضا القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ميرغني عبد الرحمن الحاج سليمان وقال إن "نقد" كان رفيق المعتقلات وساهم في ترتيب العمل المعارض وكان له فضل كبير في كتاب ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي من داخل سجن كوبر.
حزن الترابي
أما الأمين العام للمؤتمر الشعبي د.حسن الترابي فقد استقبل بالهتافات فتحدث كعادته يتبسم بكلمات جادة فقال إن "نقد" كان صديقه ورفيقه ويتمتع بروح الإنسانية وكانت تجمعهم روح الإنسانية وقيم العدالة، مشيرا الى أن الفقيد كان منفتح العقل والفكر.
ودعا الترابي لضرورة الاتفاق بين قوى المعارضة ليس على "هدم البيت فقط" في إشارة لإسقاط النظام – وإنما للاتفاق على "بناء البيت الجديد".
الترابي تحدث أيضا بلغة الحزب عن "نقد" وقال "نحن كبرنا وقد يأتينا الأجل هذا العام أو القادم ونسأل الله عندما تقترب المنية أن يكون حال البلاد أفضل".
تحدثت أيضا رئيسة المكتب السياسي لحزب الأمة القومي د.سارة نقد الله فقالت إن "نقد "كان مفخرة لكل سوداني وإن أكبر تكريم له أن يحافظ الناس على مبادئه الثورية من أجل التغيير.
السودان الموحد
إذن الحزن وحّدنا بالأمس شمالا وجنوبا حيث استقبل وفد حكومة جنوب السودان بقيادة البروفسير بيتر ادوك أيما استقبال وعلت الهتافات "لا شمال بلا جنوب ولا جنوب بلا شمال" وهو الذي تحدث "بعربي جوبا" الذي اشتاق إليه الجميع وقال: "هذا يوم حزن لشعب السودان وشعب جنوب السودان" واجتر الذكريات إبان عضويته في الحزب الشيوعي، مشيرا الي أن "نقد" لديه تاريخ ناصع في النضال والثبات، مشيرا الى أن النضال مستمر وأن الجنوب لولا أنه "دفر" للانفصال لكانت البلاد ما تزال موحدة.
تحدث أيضا رئيس الحزب الشيوعي بدولة جنوب السودان جوزيف مديستو فقال إن "نقد" لم يمت لأن النضال لا يموت ويظل عائشا، مشيرا الى أنهم بعد الانفصال سيكون الحزبان منفصلين تنظيميا إلا أنهم سيظلون متوحدين أيدلوجيا في التمسك بالماركسية اللينينية، مشيرا الى أنهم يدعون القوى السياسية في الشمال لدعم مشروع الحريات الأربعة بين الدولتين بجانب حماية المواطنين الجنوبيين المتواجدين في الشمال.
...في الوقت الذي حضر فيه الترابي غاب الصادق المهدي وغابت رئيسة حركة القوى الجديدة "حق" عن إلقاء كلمة عندما قدمتها المنصة في مراسم رفع الفراش ولا ندري إن كان غيابها من شدة الحزن أو من ذكريات الماضي , إلا أن الصورة في مجملها تعكس حالة حزن ودهشة على هول فراق الأستاذ "نقد".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.