في فبراير الماضي كنا احتشادا في صالون الراحل سيد احمد خليفة..امسكت سيدة سودانية ب (المايك)..لم تكن تلك السيدة الا جيهان الحنان زوجة مالك عقار الذي خرج على الدولة..السيدة الحنان لم تملك في تلك اللحظة الا الدموع وهى تناشد رئيس الجمهورية ان يعمل مافي وسعه ليعيد السلام لربوع الوطن.. لينا عقار ابنة المتمرد مازالت تمارس عملها كضابط شرطة..عقار كان يحسب ان بامكانه ان يلعب بالبيضة والحجر.. كل استراتيجته بنيت على الحوار في حافة الهاوية.. مالك عقار قبل ان يتمرد لم يجد الا رجل اعمال سوداني ليستأمنه على اسرته الصغيرة. عدد كبير من زملائنا الصحفيين بدأوا شن حملة على الحوار مع قطاع الشمال حتى قبيل انطلاقه..صحف اكدت ان قطاع الشمال يشترط تعيين رئيسه عقار نائبا للرئيس..وزميل عزيز لوح بفزاعة ان الزنوج يخططون للاستيلاء على الحكم في السودان..وصحف اخرى حاولت قطع طريق المفاوضات بابراز خبر عن مخطط لاغتيال رئيس الجمهورية بتدبير من الجبهة الثورية التي يشكل قطاع الشمال أحد اعمدتها. بعض من ائمة المساجد دخلوا المعركة بعماماتهم البيضاء..الدكتور عبدالحي يوسف افتى ان الحوار مع قطاع الشمال لايجوز..الشيخ كمال رزق امام المسجد الكبير انتهى في خطبته الى المطالبة باعتذار الوفد المفاوض للشعب السوداني باعتبار ان قطاع الشمال عميل لامريكا..اما امام مسجد النور ومفتي السودان الشيخ عصام البشير فقد (ابتعد عن الشر) ..ركز شيخ عصام في حديثه على زيادة اسعار الكهرباء وطلب من رئيس الجمهورية التدخل. الحكومة السودانية حسمت امرها من الحوار مع قطاع الشمال..اختارت الخرطوم الدكتور كمال عبيد صاحب حديث الحقنة الشهير وامدته بمجموعة من المفاوضين الاشداء..اختيار عبيد في تقديري كان رسالة تطمينية للداخل..رسالة الحكومة للمتطرفين تقول ان الرجل الذي رفض منح الجنوبيين جرعة دواء لا يمكن ان يقدم تنازلات غير عادية في التفاوض مع قطاع الشمال. قطاع الشمال كأنه استقرأ الرؤية العنصرية لبعض أهل الخرطوم ..جعل امينه العام ياسر عرمان المنحدر من وسط السودان والمنتمي لاكبر قبائل السودان النيلي كبيرا للمفاوضين. وفدا الحكومة وقطاع الشمال سيجتمعان في اديس ابابا هذا الاسبوع..نجاح المفاوضات رهين بقدرة الخرطوم على تحجيم المتطرفين الذين يرفضون الجنوح للسلم ويعلون من الخيارات العسكرية..قطاع الشمال في هذه المفاوضات سيقدم تنازلات مربوطة بحجم التفاهم بين جوباوالخرطوم حول النفط..كلما اقتربت العاصمتان من صفقة نفطية تضائلت مساحة الحركة امام قطاع الشمال. ليست المشكلة ان تنجح او تفشل هذه الجولة الحالية من التفاوض بين الحكومة ومعارضيها في قطاع الشمال..المشكلة ستبدو كبيرة جدا لو استثمر متطرفو الخرطوم في بذر الكراهية..من المهم الان التأكيد على الحوار مع قطاع الشمال ليس خروجا على الملة..عبدالعزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان هم ابناء السودان لهم ماعلينا متى ما وضعوا البندقية. الحكمة تقول انك لا تصنع سلاما مع الاصدقاء.