بعد أن أوغل الليل كان موفد من رئاسة الجمهورية من الشخصيات ذات الوزن السياسي يطرق أبواب مكاوي محمد عوض..الموفد الرئاسي حمل أخباراً سيئة ولكن متوقعة للسيد مدير الكهرباء..المهندس عوض خسر معركته أمام الشاب القوي أسامة عبدالله مسؤول الملفات الخاصة والمشاريع الإستراتيجية.. إقصاء المهندس مكاوي كان خروجاً عن قاعدة الطرد الثنائي التي ظل يمارسها السيد رئيس الجمهورية عند التنازع بين المسؤولين في حكومته. في كل الملمات كان أسامة عبدالله قادراً على إدارة معاركه بهدوء وبعيداً عن الإعلام.. مستفيداً من شبكة علاقاته السياسية والاجتماعية والتنظيمية.. أقسم المهندس مكاوي أن كهرباء السد لن تدخل في شرايين الشبكة العامة للكهرباء إلا إذا دخل الجمل سم الخياط.. كل ما فعله أسامة أن لوح بإيقاف سد مروي للصيانة.. كان التلويح يعني إظلاماً تاماً في السودان.. تحت الظلام تمكن أسامة عبدالله من إشهار البطاقة الحمراء في وجه المهندس العجوز. في ملف تهجير المناصير كان أسامة عبدالله يمارس ذات النفوذ القوي ولكن في هدوء.. بسبب رؤيته كان أكثر من حاكم في نهر النيل يفقد منصبه.. أكثر من لجنة صلح تجتمع في الخرطوم برئاسة رجال في قامة مستشار رئيس الجمهورية إبراهيم أحمد عمر وفي النهاية لا تحصد إلا الفشل.. حتى بعد أن خرج المناصير إلى اعتصامهم الشهير في الدامر كانت كل القراءات تؤكد أن الحل عند أسامة عبدالله وحده. الأسبوع الماضي كان الأسوأ لرجل الإنقاذ القوي.. وزير الكهرباء والسدود أصدر قراراً بزيادة الكهرباء.. كل الحلفاء السابقين التزموا الصمت.. أكثر من جهة رفعت صوتها ضد أسامة عبدالله.. الإعلام الذي كان دائماً في صف رجل السدود وقف هذه المرة ضده تماماً.. أسامة عبدالله انحنى للعاصفة وقبل مكرهاً التراجع عن قراراته بزيادة سعر الكهرباء. قصة أسامة تبدو في ظاهرها أقرب إلى حكاية الجنرال صلاح قوش مع الإنقاذ.. قوش كان يماس نفوذاً استثنائياً بحكم وجوده في جهاز الأمن والمخابرات.. الجنرال قوش كان يستعرض قوته أمام الملأ.. يزور الرئيس في كل الأوقات.. لا يجد حرجاً أن يجتمع في مكتبه بوفود أجنبية زائرة وإن ترأسها جون كيري.. الدوائر النافذة في الإنقاذ لم تكن تحتمل مثل هذه القوة المفرطة.. هكذا انتهت أسطورة قوش عبر كيد الإخوان. في تقديري أن أسامة عبدالله سيحتمل الصدمة ويعود مرة أخرى لممارسة نفوذه الطاغي في ساحة الإنقاذ وذلك لسبب بسيط أنه مازال يتمتع بثقة رئيس الجمهورية وأن ظهره محمي بكثير من الأصدقاء وعدد غير قليل من الإخوان. ماحدث للوزير أسامة عبدالله مجرد كتف رياضي.. الرياضيون على قول أستاذنا عثمان ميرغني يمارسون الكتف الرياضي مع الخصم في حالة تقدمه الهجومي.. الرؤساء العسكريون يحتفظون بمسافة واحدة من كل مراكز القوى.. هذا التوازن يحكم القبضة المركزية.. ذات الكتف القانوني ناله من قبل غازي صلاح الدين بعد أن تبادل رسائل سرية مع شيخه السابق حسن الترابي.. ذات السيناريو واجهه الفريق عبدالرحيم محمد حسين في حادثة جامعة الرباط الشهيرة.. كل ما اقترب موعد انعقاد المؤتمر العام للحزب الحاكم سيكثر مثل هذا التكتيك الخشن. أهلنا في الشمالية يقولون إذا تعثر أخوك أسندو وإذا وقع ادفنوا..ولكن أسامة لم يقع بعد.