لا أعتقد على الاطلاق بأنني قد اتجنى أو أتحامل على القنوات الفضائية السودانية إذا قلت بإنها فشلت فشلاً زريعاً في تقديم برمجة مميزة تليق بشهر رمضان الكريم، وركزت كالمعتاد على البرامج الغنائية، ومثل ذلك خيبة أمل كبيرة للمشاهدين، الذين اختاروا القنوات المصرية بديلاً للعبث الذي تقدمه الفضائيات المحلية، ولكن الشيء المحير والمؤسف حقاً هو أن قناة النيل الأزرق رغم ضعف وهزالة برمجتها، ونقاط الضعف الكثيرة الموجودة فيها، إلا أنها مازالت تحافظ على موقعها الصداري، وتحظى بأعلى نسبة مشاهدة كالمعتاد، وهو مؤشر خطير جداً ينبه لعدم وجود منافس للقناة، أو بمعنى أصح افتقاد القنوات الأخرى لعوامل الدهشة والإبهار، وجماليات العرض، والفكر السليم لإدارة عمل قنواتهم.. وأقول ذلك مع فائق احترامنا لمجهوداتها المتواضعة، لأن قناة النيل الأزق في قمة تواضعها وضعفها، ولكن للأسف لا يوجد من يكتسحها ويقتلعها من موقعها الصداري- حاجة تخجل- حتى فقدنا الأمل في القنوات الأخرى، وأنصب كل تركيزنا على النيل الأزرق، لأنها بكل اخفاقاتها لا تخلو من التميز، وتسيدت الفضاء السوداني، وكل النقد الذي وجهناه لها طوال الفترات السابقة الغرض منه التصويب والتقويم، لأنها تمثل واجهة السودان الآن في الخارج، ومن يشتم من نقدنا لها رائحة الترصد وتكسير المجاديف وغيرها، عليه مراجعة خدمات المشتركين فوراً، لأننا نحرص ونأمل عليها بشدة، ونسعى لأن تكون أفضل بكثير من ماهي عليه الآن.. لأن هذا العام هو أسوأ وأفشل عام يمر عليها، وقدمت خلاله برمجة هزيلة للغاية دون المستوى، وكانت النهاية الحقيقية هي فقدها لفرس رهانها الدائم برنامج (أغاني وأغاني) الذي كتب نهايته هذا العام من خلال طلته الماسخة التي أفقدته الألق والبريق، وعم في أوصاله المرض الخبيث وتفشى في سائر جسده، فالتحديث الذي حدث أضر به كثيراً، ولكن الأهم أن اختيار الأغنيات المقدمة كان فيه نوع من الاستسهال، بتقديمه لأعمال قدمت في الأعوام السابقة، وافتقد بذلك الدراسات التوثيقية الشاملة- كما يقال- عن أهدافه المزعومة ، بالإضافة لظهور عدد من الأصوات بصورة باهتة جداً شوهت بها مجموعة من أغنيات كبار المطربين خاصة حلقة الفنان الراحل خوجلي عثمان، الذي قتل في تلك الحلقة مرة أخرى على يد المغني شريف الفحيل، والمغنية أفراح عصام وتفتنا في مرمطة أغنياته بصورة مخجلة تعكس مدى المجاملة في مواصلة مثل هذه الأصوات عديمة الموهبة في هذا البرنامج، فهل هناك من يسأل بعد كل ذلك من أسباب موت (أغاني وأغاني)؟!! حتى أن أستاذنا السر قدور استكثر على أفراح لقب (أفراح الشعب) وأكتفى بلقب (أفراحنا)، لأنه علم جيداً بأن صوتها من المستحيل أن يشكل أفراحاً لهذا الشعب، ولكن أفراحه محصورة داخل محيط مجاملات القناة فقط.. أما البرنامج الإعلاني (كنوز على نار)، فأعتقد بأنه كان خصماً ليس على القناة فقط، بل على مسيرة مخرج كبير أسمه سعيد حامد وعلى تاريخه المشرف، وكذلك حال مقدمه الممثل جمال حسن سعيد، الذي ظهر بصورة مهزوزة لدرجة بعيدة، وتاه في تقديم هذه الحلقات، ولم يستطع إخراجها من الطابع الإعلاني، وكان أحد أهم أسباب ضعفها خاصة، وأنه استهلك نفسه كثيراً في رمضان في المحطات الفضائية والإذاعات بصورة يومية، وخصم ذلك منه كثيراً حتى أصبحت حلقاته أصعب من عذابات خلف الله. ٭ ولكن للأمانة قناة النيل الأزرق اجتهدت كثيراً في السهرات اليومية بصالة سبارك سيتي، ووصلت لمرحلة الامتياز، وأظهرت فيها كل جماليات الشاشة واوجه العرض، التي افتقدناها في (أغاني وأغاني) عبر مجهود مقدرة من العاملين فيها من معدين ومهندسين وفنيين ومخرجين، وتميز فيها المخرج الماكوكي الرائع ماهر عبد الرحيم الذي لا يهدأ أبداً طوال زمن البث، ولكن منظمة شباب البلد خذلت هذه السهرات وأثبتت فراغها تماماً من أي إبداع، وتأكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن شباب البلد عبارة عن وهم كبير غير موجود على أرض الواقع، سوى رجل يعمل بجد واجتهاد يسمى أمير عبد الماجد يسانده أبو هريرة حسين والبقية أكتفت بالفرجة، فهذان الرجلان لولاهما لغرقت هذه السهرات من اليوم الأول لها. وبصراحة القناة ضيقت المساحات الدينية كثيراً وأكثر من الجرعات الغنائية.. مما أثار عليها غضب رجال الدين الناقمين عليها أصلاً. .. أما قناة الخرطوم الأرضية- أقصد الفضائية- فقد آن الآوان لأن ينتبه لها ولحالها المائل السيد والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر، لأنها قناة سمجة وخربة منتهية الصلاحية البرامجية، ولم نلتمس لها أي نجاح يذكر، رغم أنها تستعد للاحتفال بعيدها الأول - سبحان الله - وعن أي عيد يتحدثون فكما قال الحبيب أمير عبد الماجد من قبل (قناة الخرطوم عبارة عن محطة أرضية جارين ليها سلك)، وراهنت على برنامج (عصافير الخريف)، ولكنه خرج بصورة مهزوزة للغاية، ولم يكن قدر التوقعات رغم المجهودات التي بذلها معده الأستاذ ياسر عركي، والغريب فيه الشريط الملصق الذي يقول معالجة موسيقية عبد الوهاب وردي، فهل اكتشف عبد الوهاب خللاً موسيقياً في ألحان والده محمد وردي أو ألحان الموسيقار بشير عباس ليصنع لها معالجاته المزعومة.. هذه قمة المهازل وسوف نعود لقناة الخرطوم بالتفصيل في الأعداد القادمة، ونكشف لوالي الخرطوم حقيقة تواضع القناة التي تحتاج لتشييع وليس لاحتفال بعامها الأول من الفشل. .. أما قناة الشروق فقد تميزت ببرنامج (زورق الألحان)- رغم الاخفاقات الكثيرة فيه خاصة وأنه لم يقدم المنتظر منه في تجربة الفنان محمد الأمين، من خلال أبعاد الآلات عبر رؤية جديدة في تقديم الأغنيات، وفشلت الثمانية عشر كمنجة المرسومة خلف محمد الأمين في التوزيع الموسيقي والتون كلر الخارج منها، ومن الأشياء الغريبة استضافة كامل عبد الماجد في إحدى الحلقات وتركت السؤال قائماً.. ماذا يعرف كامل عن ود الأمين، ولولا براعة المذيعة المتألقة سلمى سيِّد وإدارتها لدفة الحوار بصورة احترافية جاذبة للمشاهدين لغرق زورق الألحان. .. وحقيقة أكثر ما «يفقع المرارة» في هذا الشهر هو انتشار المدعوة نصف الشاعرة نضال الحاج في عدد من القنوات بصورة تدعو للشفقة.. فمن أقنع مناضلة الظهور الإعلامي بأنها نجمة جماهيرية حتى تتدفق علينا بشعرها المتواضع في القنوات، ويفرض علينا القائمون على أمرها الاستماع إليها، حتى خيل إلينا بأنها سعاد الصباح، أو حتى روضة الحاج، فنضال وزميلتها البشرى أصحاب حوار سمج لا يتناسب مع شهر رمضان لإصابته الشديدة بالملل، وبصراحة عذبونا شديد خاصة نضال حتى وصلنا لمرحلة قصيدتها الوحيدة «كرهتك».. ولنا عودة لها ولغيرها..