الطبيعة البشرية جعلت الأفراد يختلفون في المقدرات وفي الهمة وفي تقدير المسؤولية وفي النجاحات هذا غير ما يضيفه العلم.. فالتأصيل العلمي قد يكمل الأساس الداخلي الموجود أصلاً في الإنسان.. وأحياناً إذا كان الشخص غير مؤهل طبيعياً يصعب أن يخلق العلم منه كفاءةً وفي هذا المجال جاءت مقولة (القلم ما بيزيل بلم) ومناسبة هذا الحديث هو أن بعض الأشخاص تحس بهم وكأنهم خلقوا قادة وتحس بهم أنهم مؤهلون طبيعياً لملئ المواقع والمناصب. ومؤكد جداً أن الشهادات وحدها لا تكفي.. فالآلاف من حملة الشهادات العليا أحياناً يفشلون في أقل المهام التي توكل لهم. إن هناك أناساً خصهم الله بالنجاح والتوفيق ومن أولئك أمثلة كثيرة متعددة لكنني أخترت نموذجين لأنهما دخلا وخرجا في عدة مواقع وهم يغادرون موقعاً ليعودوا إلى آخر.. دون أن يسعوا له. إن هناك أنماطاً من الناس يسعون للمواقع ويفرضون أنفسهم في كثير من الأحيان، ولكن الصنف الآخر هو الذي يسعى إليه الموقع.. بل تسعى اليه عدة مواقع تتجاذبه قد اخترت من هذا النموذج الأخير لإثنين من الشخصيات. أحدهما هو د. أحمد قاسم هذا الرجل الهادئ البديع الرزين تجاذبته عدة مواقع.. فكلما يتخلص من أحداها يجذبه موقع آخر.. فقد عمل وزيراً بالولاية الشمالية ثم اختارته ولاية الخرطوم وزيراً بها وعند إحدى التعديلات فضل أن يستجيب إلى فكرة قيادته لهيئة إنشاء مطار الخرطوم الجديد وهو مشروع يحتاج إلى من يدفع به إلى الأمام.. ولكن يبدو أن موقعه بولاية الخرطوم ظل ينتظره فعملت جاذبيته من جديد نحو الرحيل حتى عاد وزيراً لهيئة المياه فواصل إبداعاته في صمت، وفي عهده تطور الأداء بمواقف الوزارة المتعددة بالطرق والمياه وشركة المواصلات التي دعم أسطولها بمئات البصات الجديدة، ولكن في الهيكلة الأخيرة فضل د. أحمد قاسم الإعتذار ولمعرفتي بحاجة الولاية له ومكانته في قلب قيادتها لما تمت الاستجابة له لولا أن أسباب الاعتذار كانت قوية.. وفي إطار تنافس المواقع وتجاذبها فقد أوكلت له قيادة مجلس إدارة شركات شريان الشمال وبارك ذلك المهندس الحاج عطا المنان الأب الروحي للشركات.. ولولا النجاحات التي ظل يحققها لما أوكلت له هذه المواقع بشركة شريان الشمال العريقة. إن د. أحمد قاسم سيظل متنازعاً عليه من جهات كثيرة لما يتميز به في علمه واسلوبه وأخلاقه وكفاءته فمن يظفر به في هذا التنازع والتنافس حوله في الفترات القادمة؟ التحية لك د. أحمد قاسم أينما حللت وأين ما عملت. أما المثال الثاني فهو د. إبراهيم الخضر.. هذا الشاب المبدع.. الذي يحمل سِمات أهل قريته الطيبة الكرفاب ويحمل بساطة وصدق أهل السودان كافة. لقد برز إسمه منذ أن كان طالباً فرشحه زملاؤه للقيادة مستقبلاً، وبالفعل سرعان ما التفتت اليه المواقع المختلفة فحظيت به أولاً محلية مروي معتمداً لها.. فكانت تلك مداخله الدستورية فكانت فترة خصبة وضع لمساته فيها وترك بصماته شاهدة على انجازاته ولكن مثله لا يطمئن له فقد أختطفته الولاية وزيراً للتخطيط العمراني فواصل إبداعاته على نطاق الولاية الممتدة فلمع اسمه كأحد القادة الجدد المؤهلين لقيادة الولاية ولكن في فترة النزاع بين حكومة الوالي ميرغني صالح والوالي الجديد آنذاك عادل عوض غادر الوزير د. إبراهيم الخضر الولاية الشمالية لتظفر به جامعة أفريقيا العالمية محاضراً مقتدراً بها أنه موقع أكاديمي استطاع د. إبراهيم الخضر أن ينجح فيه انطلاقاً من الكفاءة المتمكنة في دواخله وعند إعادة تكوين حكومة الولاية الشمالية هذا الاسبوع انتزعته الولاية مرة أخرى وزيراً ونائباً للوالي.. التهنئة لهذا الرجل الذي تتجاذبه المواقع المتعددة وهو لا يسعى لها ولكنه يستجيب في ثقة عالية خدمة للوطن واستجابة لثقة الاختيار.