ماحدث من تغييرات في قيادة القوات المسلحة المصرية، مساء الأحد الرابع والعشرين من رمضان الموافق للثاني عشر من أغسطس الجاري، كان مفاجئاً بكل المقاييس لكل المهتمين بالشأن المصري، ولكثيرين من أبناء الشعب المصري أنفسهم لأن الجميع كان يتوقع صداماً بين الرئيس محمد مرسي، وبين المؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس العسكري الأعلى، لكن القرارات الرئاسية المفاجئة كانت نتائج لمقدمات غير مرئية أو «مشوشة» وهذا ما يجعل الاستنتاج صعباً. حتى بعد صدور القرارات، توقع البعض أن يحدث تذمر أو تمرد أو إحتجاج، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وقد أثبتت مصر أنها دولة مؤسسات، وطاعة المرؤوس فيها واجبة للرئيس، خاصة إذا ما استند الأخير على الشرعية التي لا يهم إن كانت دستورية أو ثورية. في تاريخ مصر الحديث انقلاب خطير، قادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات- رحمه الله- بعد توليه السلطة عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر - رحمه الله- أطاح فيه بكل مراكز القوى التي كانت تمسك بزمام الأمور في مؤسسات الدولة السياسية والتنفيذية والتشريعية، وعرف ذلك الإنقلاب بثورة (15) مايو عام 1971م، وقد توقع «ورثة» عبد الناصر في الاتحاد الاشتراكي والدولة والمؤسسات أنهم سيخرجون منتصرين من معركة المواجهة مع الرئيس السادات الذي كانوا يحسبون أنه خصم ضعيف لا يقوى على مواجهة جماعة علي صبري، وشعراوي جمعة، وصلاح نصر، وقادة الجيش، وقد كانت مفاتيح الجيش والشرطة والمخابرات والإعلام والاتحاد الاشتراكي في أيديهم، لكنهم ما دروا أن الرئيس السادات كان يتحسب لكل شيء، لذلك عندما تقدموا له باستقالاتهم الجماعية كانوا يضعون في اعتبارهم أنهم سيقودون الدولة بذلك الصنيع إلى فراغ سياسي ودستوري، لكن المفاجأة كانت في قبول الرئيس السادات لاستقالاتهم، ثم اعتقالهم ، ثم «فضحهم» وفضح مخططاتهم من خلال الصحافة والإعلام... ولم يتحرك أحد ضد الرئيس، ولم يحتج أحد على تلك القرارات. المهتمون بالشأن المصري يقولون دائماً إن «ردة الفعل» تكون دائماً في الساعة الأولى.. أما ما يلي تلك الساعة فهو مجرد ترتيبات. في تقديري الشخصي إن أحداث الاعتداء على النقطة العسكرية في شبه جزيرة سيناء، كان هو «المقدمة» التي ألبسها الرئيس مرسي دثار «الموضوعية» و «المنطق» للتدخل ثم اتخاذ القرار المناسب، وقد لاحظت- مثلما لاحظ غيري- أن الرئيس مرسي كان يخاطب ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة المصرية في كل موقع زاره ب «إنني آمركم» وهي لغة القادة العسكريين، وكان منطقه ومنطلقه في ذلك- حسب تقديري- الدستور المصري الذي يجعل من الرئيس «قائداً أعلى» للقوات المسلحة.. وقد مارس حقاً دستورياً ورئاسياً كان حداً فاصلاً ما بين مرحلتين، الأولى منهما هي مرحلة تحمل شقين هما «مسؤولية الرئيس» و«مسؤولية المجلس العسكري الأعلى» حسب الإعلام الدستوري المكمل، ومرحلة ثانية هي مرحلة «ترسيخ» سلطة الرئيس التي تأتي ب «إلغاء الإعلان الدستوري المكمل» وب «إلغاء المجلس العسكري الأعلى» الذي تحول بعد القرارات الرئاسية الأخيرة إلى مجلس مختص بالشأن العسكري الصرف والبحت، تحت مسؤولية رئيس الجمهورية- شخصياً- بصفته «القائد الأعلى» للقوات المسلحة.