نسعد عندما يتفاعل الفن مع قضايا المجتمع.. ونفرح عندما يكون للفنانين دورهم الرسالي.. ولكن ليس كل قضايا المجتمع تحل بالغناء وبدموع الفنانين والفنانات.. وبالأخص قضية الأطفال مجهولي الأبوين.. فهي قضية أكبر من أن تحل عبر (فيديو كليب)، أو زيارة يقوم بها فنان أو فنانة.. وبالتالي لا نحسب أن الفيديو كليب الذي قدمه الفنان الشاب شكر الله عزالدين بعنوان:(مأساة طفل) يصب في صالح هذه الشريحة المهمة من المجتمع.. ولا يعالج قضيتها.. وإن كان يلفت الأنظار لهؤلاء الأبرياء.. فمن وجهة نظر متواضعة جداً.. نرى أن الأموال التي صرفت في (الفيديو كليب) بداية من تذاكر السفر للقاهرة والإقامة هناك، وبقية التكاليف الباهظة التي تصرفها في مثل هذه الأعمال.. إن صرفت هذه الأموال في أعمال دعوية توعوية تبصر الشباب بحرمة الزنا ومخاطره، لكان أجدى، أو صرفت في الدواء والحليب لكانت أنفع.. فالأطفال الأبرياء ليسو في حاجة للفت الأنظار إليهم، لأن واجب رعايتهم يقع على الحكومة التي تتبرع بالملايين للأندية الرياضية، وتتجاهلهم.. فإن كانت الحكومة تهتم بهؤلاء الأبرياء مثل اهتمامها بالتبرع للأندية.. لما احتجنا في أن نستجدي لهم الناس ونقيم الحفلات ليعود ريعها لبناً ودواءً وكساءً. هذا (الفيديو كليب) المستفيد منه أولاً وأخيراً هو الفنان.. والشاهد أن حفل التدشين الذي أقيم له بدار المايقوما، انصب معظم حديثه في تطريز عبارات الغزل والشكر في شكر الله والفيديو الكليب.. ولم يجد منه أطفالنا (المساكين) سوى إعلان تبرع أو تبرعين.. رغم حضور وزيرة التنمية والرعاية الاجتماعية التي رعت الحفل، ووزير الشباب والرياضة ورئيس هيئة البراعم والناشئين ولفيف من المغنيين والمغنيات. لسنا ضد شكرالله.. ولكنا ضد أن تتجاهل الحكومة واجباتها ضد هذه الشريحة وتتنازل عنها لآخرين.. ومع ذلك لا يؤدونها حق أدائها.. وضد أن نتعامل مع قضايا مهمة كهذه، بالعاطفة التي هي أس البلاء في كثير من مشاكلنا.. فعاطفة الأخ الفنان شكر الله نحو هؤلاء الأطفال لن تحل القضية، وعاطفة من شاركوه التدشين لن تتحول إلى أنهار من لبن يحتسيه هؤلاء الأبرياء، ولا إلى شلالات من حنان.. ولن توقف مد النزلاء الأبرياء المتواصل.. فالحشد في رأينا هو يوم ترفيهي قضاه المحتشدون دون أن يحلوا قضية، و(الفيديو كليب) هو أموال ضاعت هباءً كان أولى بها هؤلاء الأطفال به.. وأولى بها مراكز شباب تفتقد لأبسط مقومات المراكز الشبابية.. وأولى بها أن تصرف في برامج توعوية.. فالدموع والموسيقى لن توقف مد الظاهرة.. فكم من حفلات وليالٍ ترفيهية أقيمت بالدار وكم من دموع ذرفت.. فهل توقف سيل النزلاء والنزيلات.. وهل توفر الغذاء والكساء والدواء.. وهل توقفت حالات الوفيات.. وهل شبعت الكلاب من نهش الأجساد البضة في الأزقة المظلمة وبراميل القمامة. على الحكومة ممثلة في وزارة التنمية والرعاية الاجتماعية، أن توفر الرعاية الكاملة غير المنقوصة لقاطني هذه الدار- (المأساة)- مثل ما توفرها للمجرمين النزلاء في السجون.. على وزير الشباب والرياضة أن يضطلع بمسئولياته تجاه الشباب.. وعلى رئيس هيئة البراعم والناشئين يقع دور التنشئة السليمة المعافاة من كل شوائب.. وليس إنشاء الإستادات فقط وتنظيم البروفات وحضور الحفلات.. عندها نكون قد ساهمنا في حل القضية إن لم يكن حلها جذرياً.. فالمأساة ليست (مأساة طفل)، وإنما مأساة مجتمع.. والحل ليس (فيديو كليب) وإنما في التعامل بجدية مع القضية.