واليوم أمر.. وغداً أمر.. ونضم صوتنا عالياً هيبة وجبرة مع مولانا كمال رزق ونقول له في إصرار، نعم «نحن دايرين شريعة» تلك المطهرة الناصعة العادلة.. الساطعة الصادقة.. وليس كمثل تلك التي غنى وملأ شاعركم السماء.. أهازيج وأناشيد.. والإنقاذ حينها طفل يحبو و«الإخوان» يستبد بهم الطرب.. يهللون ويكبرون.. يزحمون الفضاء جلبة وجلالات، وكل «العصي» في السما.. وطيب الذكر «شنان» يملأ كل المساحة بين السماء والأرض وينشر.. «حكمنا شريعة وتاني ما في طريقة لي حكم علماني».. وانتظرنا أن يهطل وابل المطر.. وعشمنا في أضواء وأشعة من «يثرب» علها تتسلل طهراً.. وأريجاً يعطر الوطن.. ثم لم نر.. شرعاً ولا أحكاماً عاجلة.. ولا تشبهاً بالأولين الذين.. مشوا على الثرى.. ومشى معهم شرع الله المطهر حتى طاول الثريا.. رأينا حدوداً تطبق فقط على المستضعفين من الرعية، بل كانت العلمانية التي نراها.. في دول الكفر والاستكبار ودار الشرك أكثر عدلاً.. وألين جانباً.. وأوفر كرامة من أولئك الذين يرفعون رايات الشرع الطاهرة.. ويخالفونها في إصرار وترصد.. نحن لا نتهم أحداً.. ولا نقذف فريقاً.. ولكنا نسأل.. ألم يحِلل «الربا» تحت حكم الضرورة.. إذاً ما الفرق بين الخرطوم وبروكسل؟.. نحن لسنا من الذين يرمون الناس بالباطل.. ولكن ماذا تركت الحكومة من «علمانية» ولم تمشِ في دربها.. ونسأل في براءة إن شئت.. أو في خبث إن أردت.. إذا كان الملك العضوض الذي تحدث عنه سيد البشر.. قد حدث في ممالك الأمويين والعباسيين، ماذا نسمي الذي يحدث الآن.. صحيح أن الأمويين والعباسيين يورثون الحكم أباً عن جد.. وابناً عن والد.. ألا يحتكر الأحبة في المؤتمر الوطني.. السلطان والصولجان منذ ثلاثة وعشرين سنة وتزيد.. قد يقول لي قائل.. إن هناك شرائح من خارج أسوار المؤتمر الوطني.. قد وجدت لأقدامها.. موضعاً في كراسي السلطة.. لأقول نعم.. ولكنهم بلا حول ولا قوة.. وكيف يكون لهم حول وقوة وبعضهم جذبته السلطة كما تجذب النار الفراشات.. وبعضهم من المؤلفة قلوبهم، وقليل منهم من الذين خدعوا أهل الإنقاذ بالدين فانخدعوا- عمداً- لهم. نعم يا مولانا رزق.. نحن نريد شريعة إسلامية.. ولكن شريطة أن تبدأ بالحكام.. بقادة الأمة.. بالذين يديرون أمر الرعية مسلمة وكتابية وحتى وثنية.. ولتعلم الإنقاذ.. أن الرعية تعرف تماماً شروط الولاية وأشراط الولاية.. نعلم وبالتفصيل كل شيء عن إدارة الدولة في تلك العهود المضيئة المشرقة، نعرف كيف كان الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار.. نعرف إنه كان تاجراً يبيع ويشتري.. نعلم أنه لما ولي أمر المسلمين.. اعتزل التجارة تماماً وطلب من أصحابه أقطاب وأحبار الأمة.. أن يجعلوا له ما تيسر من بيت المال.. ليعول أهله وليتفرغ تماماً لرعاية شؤون الرعية.. نعرف ونعلم كيف كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه صارماً وقوياً في الحفاظ والدفاع عن مال المسلمين، وكيف حاسب ابنه حساباً عسيراً عندما علم أنه قد اشترى إبلاً.. وعندما سمنت أراد بيعها.. ونملك أدق تفاصيل ذاك الدرس الشاهق.. نعلم كيف أنه قد أوقف مرة سهم المؤلفة قلوبهم في قوة وجسارة وروعة اجتهاد.. نعم مولانا كمال.. نريد شريعة شريطة أن يبدأ الحكام بأنفسهم.. أن تُفتح أبواب مكاتبهم الموصدة أمام الرعية.. أن يتنازلوا طوعاً عن ذاك النعيم والترف المترف الذي يتقلبون فيه.. أن يجلجل في آذانهم.. حديث الرسول المعصوم مخافة الهلاك.. الذي قطعاً سيردون في حماه.. إذا تركوا الشريف يسرق.. والضعيف يحاسب.. نعم نريد أن نرى من يقومون بأمر الرعية ليس في قلوبهم ذرة من «كبر» حتى يدخلوا الجنة.. نعم نريد الشريعة إذا رأينا الحكام يأكلون الطعام، ويمشون معنا في الأسواق.. طبعاً أنا لا أحلم بأن يكونوا نسخاً بالكربون من السلف الصالح.. وإلا كنت معتوهاً ومجنوناً.. ولكني فقط أحلم أن يتشبهوا حتى ولو بنسبة 10% من تلك القامات الشاهقة العالية..