حتى في عصر التلفزيون وما بعده إلى عصر استخدام الأجهزة الذكية، مثل «الآي باد» وما سوف يليه، أجد نفسي أسيراً للإذاعة، وتحديداً للإذاعة السودانية مع (شوية غزل) لإذاعات قليلة أخرى أتابع منها أخبار الدنيا وما فيها.. وعلاقتي بالإذاعة قديمة وتاريخية- نسبة إلى تاريخي لا تاريخها- فقد كان صوت الراديو هو المؤنس في البيوت القديمة، وكان مدخلنا لسماع تلاوة الشيخ عوض عمر الإمام- رحمه الله- الذي يبدأ ب(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم) ويختم ب(آمنت بالله.. صدق الله العظيم). كما كانت الإذاعة مدخلنا إلى المعرفة (المقسّطة) في برامج الأطفال مع (العم مختار)، الذي هو الراحل المقيم الأستاذ الفكي عبد الرحمن، وكانت ولا زالت وسوف تظل الإذاعة السودانية (جامعة للوجدان) السوداني، وموحّدة لهدف الأمة الأعلى، ومحرضة على الحفاظ عليها. تحدثت قبل أيام قليلة للأستاذين الكبيرين عبد العظيم عوض، نائب مدير عام الإذاعة، والزبير عثمان أحمد، الكادر القيادي والإذاعي صاحب البصمة، ونحن في سرادق عزاء السيدة الفضلى الراحلة الحاجة سكينة الشيخ خليفة، أرملة أستاذنا الكبير الراحل سيد أحمد خليفة، ووالدة أبنائه وأشقائنا الأساتذة «يوسف» و«عادل» والدكتور «أمير»، وتحدثت معهما حول بعض البرامج التي استمع إليها، منها ما أتابعه، ومنها ما أجد نفسي (مضطراً) لمتابعته، ومنها ما لا أتابعه، وقد تساءلت عن السبب الذي يجعل الإذاعة تتمسك ببث برنامجين فكرتهما واحدة - حدّدت نموذجين - الأول برنامج محدد الهدف، واضح الرؤية له أسلوبه ومنهجه في الإعداد والتقديم والإستضافة، بينما الثاني- ومع كامل الاحترام لمقدميه- يفتقر إلى المسار ويعتمد على (حوار اللحظة) وكثيراً ما يقف على أرض لزجة مغمورة بكثير من عدم الجدّية.. وقلت لهما- صراحة- إن هذا البرنامج لا يشبه (هنا أم درمان) التي نعرفها، وربما تسبب في (تغذية سالبة) لعقول مستمعيه.. ولا أزيد. قطعاً سيدافع الرجلان أو دافعا بالفعل عن برامج الإذاعة، وأشكر لهما صبرهما على (أذى) النقد، لكن ذلك نابع من الحرص على هذا الصرح العملاق، الذي أسهم في بناء شخصيات أكثرية مستمعي الإذاعة وتكوين وجدانهم الوطني وتوحيده. الإذاعة الآن إذاعات، منها ما يهتم بالقضايا الاجتماعية المعاصرة والفنون والآداب والثقافة كرسالة أساسية مثل إذاعة البيت السوداني (إف إم 100)، ومنها ما يهتم بالدرر البرامجية القديمة التي مازال بريقها يطغي حتى على بعض المنتج الإذاعي الحديث، مثل إذاعة (ذاكرة الأمة)- إف إم 98- ومنها ما يمكن أن نطلق عليه إذاعة المجتمع التي تهتم بالشأن العام بالتركيز على حركة الحكم ونشر الأخبار، والاهتمام بالأخبار الرياضية والاجتماعية- مثل أخبار الوفيات- وهذا الدور هو الذي لعبته وظلت تلعبه إذاعة أم درمان منذ نشأتها في العام 1940م، ونحن لا نريد لها أن تحيد عن هذا الدور، خاصة وأنها تتطور مع تطور المجتمع، ويقوى دورها يوماً بعد يوم، رغم بوابات الإعلام المتعددة ومداخله الكثيرة.