لأنني عادي أمتطي المواصلات العامه(حافلات .. هايسات .. أمجادات) يتاح لي النظر في أمور كثيرة وسلوكيات قد لا تلفت نظر البعض.. من ذلك.. ركبت طفلة في الحافلة.. وجلست في كرسي طرف.. ودفعت قيمة التذكرة كنت اُراقبها لسخطي على أسرتها ألم يجدوا مدرسة قريبة من المنزل حتى لا يرهقونها برحلةٍ طويلةٍ من بحري إلى الحلفايا.. أو الدروشاب.. وماأكثر مدارس الأساس هناك.. ماأن وصلت الحافلة منطقة (السوق المركزي) هجم المواطنون على الحافلة وأمتلأت المقاعد.. ركبت إمرأة لم تجد مقعداً فقالت للطفلة بأمر حاد: قومي يابت خليني أقعد.. رفضت الطفلة: أنا دافعة حق الكرسي، قالت ذلك بثقة.. اضطررت المرأة إلى أن تخاطبها في لين.. إنتي ماصغيره.. بختك في كرعي. رفضت الطفلة.. ليه أقعد في كرعيك.. وانصرفت تحدق عبر النافذة. نهض شاب للمرأة فجلست وهي محرجة (تبرطم) ليه كان تقوم لي الشافعة.. قال لي جاري في الحافلة، الشافعة لئيمة.. قلت له: بالعكس الشافعة حربية.. دافعت عن حقها.. قلت الطفلة أولى بالجلوس من المرأة لأنها أضعف.. ولأنها لاتحتمل الوقوف.. ولأنها قضت يوماً متعباً في الدِّراسة.. وإنها تجتاز هذه الرحلة في غدوها ورواحها.. وإن حقوقها كطفلة أن تعامل كإنسانة.. ربما رأي هذا أدهشه بعض الشيء.. لكنه بدأ يتجاوب مع الفكرة.. وأطرق فترة ثم عاود الحديث معي: ياأستاذ كلامك ده خلاني أفكر كثير؟ سألته في شنو. قال لى: كنت أرى في سلوك الطفلة قلة أدب عديل كده.. لكنك حولت تفكيري إلى حقوقها كطفلة.. قلت له: حقيقةً نحن نحتاج إلى ثوره لإنتزاع حقوق الأطفال، مثلما إنتزع الزنوج في أمريكا حقوقهم أيضاً بسبب مقعد في الحافلة جلست فيه زنجية ولم تجلس طفلة.. إنصرفت عنه.. بعد إطراقة أخرى سألني: كيف الكلام ده؟ قلت له كانت العنصرية تجتاح أمريكا.. وكانوا في المواصلات يجبرون الزنوج على الجلوس في الأماكن الخلفية وإذا جلست في المقاعد الأماميه وحضر مواطن أبيض فينبغي حسب القانون أن تنهض له ليجلس! وأنت (بي جازك) وفي سنة 1955 تقريباً.. كانت خياطة زنجية إسمها (روزا باركس) قد صعدت إلى حافلة عمومية لنقل الركاب.. وجلست في المقعد الخالي.. وأمتلأت الحافلة وصعد رجل أبيض فطلب منها القيام ليجلس فرفضت في إباء.. فَقُبِضَ عليها وقُدِمت للمحاكمه وحكم عليها بالغرامة.. ولكن بسبب موقفها هذا إندلعت منها حركة العصيان المدني التي قادها الزعيم(مارتن لوثر كنج) وبدأت بمقاطعة سيارات نقل الركاب.. وبعد ذلك بأقل من عشر سنوات صدر قانون الحقوق المدنية والذي جعل التفرقة العنصرية جريمة يعاقب عليها القانون.. المهم إن الدوائر دارت وأصبح يوم ميلاد(مارتن لوثر) عيداً قومياً.. وتلك المرأة (روزا باركس) نالت ميدالية الحرية الرئاسية. ثم (الميدالية الذهبية) للكونجرس.. أطرق صاحبي مرةً أخرى.. وقال لي: حقاً الطفل في بلادنا مظلوم.. وحقوقه ضائعة.. يغتصب .. وبعنف.. ونستولى على حقوقه التي كفلتها له الفطرة السليمة.. قلت أصبحت منافحاً عن حقوق الطفل.. فقال: إستني ليَّ بس!!.. قلت: لى شنو؟ قال: أنا أعيش مع عائلة كبيرة.. تذكرت إننا بعد أن يأكل الكبار نعطي(فضلتهم) للأطفال ليأكلونها.. سأقف ضد هذه الممارسة.. قلت له: نعم لأن الطفل في حاجةٍ إلى التغذية أكثر من الكبار.. وأسرتكم هذه ترتكب جريمة غذائيه في شأن الأطفال.. قال: سأوقف هذه الممارسه ولو اضطررت سأقلب الحكاية ليأكل الأطفال أولاً والكبار يأكلون الفضلة.. أعجبت لا أدري بالمواطن الذي يحادثني أم بنفسي كون إنني استطعت أن أغير إتجاه أحدهم إلى مناصرة الأطفال وفي زهوٍ قلت لنفسي: قول واحد..