في صنعاء لا يغير المرء موضع فراشه على مر فصول السنة فهي أعلى عاصمة عربية. جوها معتدل يميل إلى البرودة شتاءً في نفس عمارة السلامي التي كنت فيها عام 2001م وفي غرفة مستقلة ليست في حاجة إلى مكيف ولا حتى مروحة منتصف رمضان الماضي بعد أن استقبلنا الشيخ محمد شريف نور الدائم فجر الجمعة الخامس عشر من رمضان 1433ه ولأول مرة أتناول وجبة كاملة في السحور منذ العام 2001م عام عودتي من اليمن. صنعاء التي أعرف شوارعها وحاراتها و(زنقاتها) لم استبن فيها شيئاً إلا القليل.. نهضة عمرانية في الطرق والجسور والانفاق والمعابر والمساكن ولكن الأهم من ذلك هو النقلة الكبيرة في إيقاع الحياة ولغة الخطاب ففي أول لقاء ضمن المهمة التي ذهبت من أجلها سألت الشاب الخلوق الهادي (نجيب) الذي يعمل موظفاً بمنظمة الدعوة الإسلامية باليمن مسؤولاً عن العلاقات العامة، سألت أن يقيم ما طرحت عليهم فقال: أنت(علي) الذي نعرفك تماماً.. ولكن لغة الخطاب هنا تغيرت كثيراً يا أستاذ.. فلو تجاوزت المقدمات و(أديت من الآخر) كان أجمل.. ومن حينها عملت بنصيحته خلال خمسة عشر يوماً خاطبت فيها (44) تجمعاً كان أبرزها مجلس الشيخ أبوبكر أحمد عبد الله الشيباني بمدينة تعز الذي يحتفي بأهل الشعر والأدب وبعد أن أدنيا المهمة طلب مني الأخ عبد الله الأحدب أن أسمعهم قصيدة صنعاء فما أن فرغت منها حتى صفق الجميع وقال: الشيخ الشيباني: (نعم. ولكن أسأل الله أن أكون داعية قبل أن أكون شاعراً) طبعاً صفة (داعية) أتت لأني في مهمة لمنظمة الدعوة الإسلامية وليس لأي سبب يتعلق بشخصي الضعيف الراجي عفو ربه وغفرانه. بقى أن أذكر بالخير رئاسة منظمة الدعوة الإسلامية التي خاطبت الأخت الوزيرة أميرة الفاضل التي وافقت وبسخاء على سفري إلى اليمن كما أذكر بالخير الشيخ محمد شريف نور الدائم الرجل الذي يفيض كرماً وسخاءً ويهيم في محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى حد الثلاثي والعاملين معه حسين وميرغني ونبيل ونجيب وفي تعز نبيل الأديمي وصالح اليوسفي وعبده الحميدي وربيع الشاب النشط الخلوق الصبوح الذي يراسلني باستمرار منذ عودتي في عيد الفطر الماضي.. لقد سهلوا لنا المهمة جداً.. لهم التحية.. نقترب الآن من مطار الخرطوم وبدأنا الهبوط التدريجي وعلى الركاب ربط الأحزمة وعدم التحرك من مقاعدهم حتى تتوقف الطائرة تماماً ودرجة الحرارة في مطار الخرطوم (50) درجة.. لن يجمع الله علينا عذابين بإذنه تعالى.