الناس شركاء في ثلاثة، في «الماء والكلأ والنار»، قاعدة راسخة قديمة قدم البشرية ومتينة متانة الأديان في أعماق الناس، وأيضاً لها في الأعراف موقعها ومقعدها، وبهكذا مفهوم تتناول الأمم وتتعاطى هذه القاعدة بفهم عميق، رغم كونها في أغلب الأحيان سبباً للحروب إلا أنها أيضاً سبباً للتلاقي والتجاوز في سبيل المصلحة، الجنوب وقد أصبح دولة قائمة بذاتها، يبدوأن هذه القاعدة لم ترسخ في أذهان مسؤوليه إلا من اتجاه واحد، وهو المفهموم «الخنقي التفطيسي» للشمال بشتى الوسائل والطرق، من بينها رغم ما صرح به بعض مسؤوليه التنسيق التام مع الكيان الصهيوني، فيما يتعلق بالمياه والإستثمار الزراعي خاصة في ولاية أعالي النيل، ومن ناحية أخرى فقد اختار الجنوب طواعية أو مجبراً تدمير مقدرات السودان البترولية، بل ومساعدة حركات التمرد وإمدادها بالعتاد متغافلاً عمداً عما يفرضه الجوار والعلاقة التي كانت، والأشواق التى كانت تعتمل في نفوس أهل الجنوب قبل الشمال في مد جسور التواصل لا قطعها أو نسفها.على ذات القاعدة أو على منحاها أطلت علينا الحريات الأربع، وهي تمتطي عربة قدمتها الدوائر الغربية التي تمني نفسها والجنوب بالمن والسلوى، طامعة في كثير مما تركته طوعاً أو قسراً في الوطن الذي ركلت وحدته ركلة قاسية بحذاء غربي، ثم يطرحون الآن هذه الحريات الأربع مدخلاً لهم للعودة لما تركوه خلفهم، وقطعاً هي تقود إلى الهاوية المعدة لدفع السودان إليها إن لم ينتبه أبناؤه.بنظرة للبلدان التي أقرت فيما بينها هذا المبدأ على أرض الواقع، نجد أن ذلك قد تم بتحفظ شديد، بل أن بعضها فرض قيوداً على هذه الحريات، وما ذلك إلا لحرص الدولة على أن ألاّ تتجاوز هذه الحريات الخطوط الحمراء للدولة المعنية من قبل الجهات أو الكيانات التي تستفيد من هذه الحريات، وتكفينا تجربة الاتحاد الأوروبي التي احتفظت فيها كل دولة بما لديها من قوانين وضوابط، فيما يقوم الطرف المستفيد باحترام الدولة المستضيفة، فهل لدى الإخوة الجنوبيين الاستعداد النفسي لاحترام سيادة البلد المستضيف، أم وراء الأكمة ما وراءها! الجراحات التى تجاوزها الشمال- وعلى مراحل- بطيبته المعهودة لم تزد الطرف الآخر إلا فجوراً وتجاوزوا في الخصومة والعدائية، بل اعتبرت ضعفاً يمكن استغلاله للتغلغل من جديد وبأسلوب جديد، تحت غطاء عميل يهدف في غايته إلى تدمير بنيات المجتمع السوداني، تمهيداً لتنفيذ الفكر الأشمل للحركة الشعبية الرامي إلى تحرير السودان من العنصر العربي المسلم، ولا مدخل للتنفيذ إلا من بوابة الحريات الأربع التى يحاور ويناور بالنيابة عن الغرب، رئيس الآلية الإفريقية لإقناع حكومة السودان بالموافقة عليها وتخطي باقي بنود الخلاف الرئيسة خاصة المتعلقة بالحدود والنواحي الأمنية ما نقوله إن الحريات الأربع ليست فرضاً واجباً يؤثم الشمال على تركه أو تأخيره أو رفضه، وهي من المندوبات التي لو قدم الجنوب للشمال ما يغريه بإتيان هذا المندوب ليجعل السودان سنة يمكن أن يستن بها بقية الأفارقة، الذين تنتظم بلدانهم مشاكل كالتي عانى منها السودان مع فارق أن مشاكلهم جذورها لا ترتبط بالدين بل بالعرقيات. حرية الإقامة بالمفهوم عند القادمين تعني مواصلة التجذر ولكن من نوع آخر ، وأسلوب جديد سرطاني أخطبوطي استيطاني ويأتي من ورائه الطوفان الذي تخطط له الصهيونية العالمية عن طريق التملك الذي ضوابطه قطعاً ليست كالتي في أوروبا، أو حتى في مصر القريبة التي تملك الإحصائيات الدقيقة عن المقيمين والمتملكين والعاملين والمتنقلين، ونحن لا نملك إلا ملفات الإستثمار التي تخلو من الوثائق إلا التصديقات، ومن الاراضي إلا ما حولت أغراضها إلى مساكن فاخرة فاغرة أفواهها ساخرة! ثمة سؤال بريء يطرح نفسه هل ستكون الإقامة والتملك في الجنوب للشمالي بمثل ما يتمتع به الأول في الشمال؟هل سيشعر أو يتوفر له الأمن والطمأنينة في التملك والاستثمار، دون أن يضطر الى سماع كلمة 0«ركب ليهو عجلات وسوقو للشمال» أو عبارات أخرى من هذا القبيل؟ أسئلة كثيرة فيما يختص بالإقامة والتملك، تحتاج إلى إجابات شافية ودقيقة ومحددة لا تقبل التأويلات، وذلك قبل إقرارها، وقبل كل هذا وذاك صفاء النفوس المعنية. المعلوم أن الإنتقال والعمل لهما ضوابطهما المتعلقة بالأهلية من أوراق ثبوتية وتصاديق انتقال والعمل، نوعه وصفته وما يعنيه من إمتصاص للعملة محلية كانت أو أجنبية.. ما يعني أيضاً تحديد إلتزامات بعينها تجاه الدولة المستضيفة مادية كانت أو معنوية، فأين هذا كله! أنوقع أيضاً ثم نجري خلف سراب التنفيذ- كما فعلت بنا نيفاشا؟ أو أن هناك من يقول لنوقع ثم تأتي التفاصيل لاحقاً ونحن نعلم تماماً أن لا ضوابط حددت حدود 56حتى الآن من مماطلات وتسويفات جيراننا!إن الحريات الأربع الآن كفلها الأمر الواقع للموجودين الآن بيننا، وهي تكفي دون تعميق ويكفينا عمقها التاريخي، الذي لم يشفع لدى الطرف الآخر ليتجاوز المرارات المادية والمعنوية التي خلفتها سنوات الحرب والمعاناة للجنوب والشمال معاً وهم يعلمون تماماً أن الذي جرى وسيجري لاحقاً، إنما هو تخطيط غربي يهدف إلى إبقاء نار الخلاف متقدة لسنوات عديدة، الخاسر الأوحد فيها شعبا الجنوب والشمال، إنهم لا يجهلون ولكنهم يتجاهلون. السؤال الأهم متعلق بالجنوب أين موقع الحريات الأربع في بلد تنعدم فيه حرية التعبير للمواطن ناهيك عن المقيم! أين حرية التملك في بلد تملكت فيه الحركة الشعبية والجيش الشعبي كل مفاصل العمل والإستثمار؟ كيف تكون حرية التنقل لمقيم وهو يرى عيوناً تتربص به، شحنت تجاهه حقداً وكراهية لا ترى فيه إلا صورة المستعمر! وعلى هذا المنوال كيف ستكون حرية العمل وقد انعدم الأمن والطمأنينة والجيرة الحسنة والرفقة المأمونة.. لسنا ضد الحريات الأربع بمفهوم من يعطي هذه المعاني حقها ودلالاتها وتحقيقها على أرض الواقع، ولكن قبل إقرارها يجب أن نخضعها للتدارس والتفاكر والتمحيص من المختصين وتقديمها على الطاولة السودانية الكبيرة لإجازتها، ثم تقدم من بعد ذلك على الأطباق التي نتخيرها نحن،لا هم وإلا فلهم حرياتهم، ولنا ما يخصنا أيضاً ويبقى الود والقرب ماجرى النيل بيننا، وما تذكر منقو زمبيري أهزوجة أنت سوداني وسوداني أنا.. üفريق ركن