الإتجاه العام للدولة وتوجهاتها عقب توقيعها لإتفاقية التعاون بأديس مع حكومة الجنوب وتحت إشراف وتوجيه أممي ،هوتضافر كل الجهود السياسية والإجتماعية والسلطة الرابعة بصفة خاصة لتوفير المناخ الجيد والبئة الإعلامية الصالحة لتهيئة المجتمع السوداني لتقبل أو الإقتناع بما أتفق عليه مع الجنوب والبعد ما أمكن عن ( مع عدم حجب الرأي الآخر طبعاً) عن معكرات الصفاء السياسي الذي إنزاحت عنه السحب ولاحت في الأفق بشائر التوافق التي بشرت بتدفق وإنسياب مخرجات بشائر . إن الشعب السوداني في الشمال يعي تماماً معنى إيقاف الحرب والعداء مع الجنوب، وهو الذي دفع فاتورة هذه الحرب وبتكلفةٍ عاليةٍ تفوق في حقيقة جملتها المادية والمعنوية ما قدمه الجنوب رغم مظاهر الدَّمار والتشريد،لذا فهو في سبيل تحقيق السلام وما ينتج عنه مستعد للدفع أكثر، ولكن بتروي لابتعجل ، وتعقل وتفاكر وتدارس لا إنسياقا. لقد جاء الإتفاق التعاوني مستظلاً بمخرجات نيفاشا التي تزاحم الأضداد حولها وتحتها وهم يلتقطون أنفاسهم بعد مشوار التحارب الذي قضى على الأخضرمادياً ومعنوياً واليابس في حاجةٍ لنفخة روح تعيد إلى جذوره نبضات الحياة عبر إجراءات معقدة وليست متعجلة لإنعاش الجسد (وبعض الأجساد تهلكها محاليل الإنعاش زائدة الجرعة فتتهاوى وتذوى وتموت)وهو ما قد تفلح هذه الإتفاقية في القيام به إذا كبرت النفوس وتسامت فوق المرارات خاصة الجنوب الذي لم يتخطى بعض كبار مسؤوليه المربع الأول . قفزًا فوق الشق الأمني للإتفاقية وهو الأهم ،ثم الإقتصادي الذي يعتمد على تحقيق الأول وليس العكس نجد أن الحريات الأربعة التي تم التوقيع عليها مبدئياً بين الطرفين ،هي الشغل الشاغل للأوساط جميعها في جمهورية السودان ليس من أجل رفضها لإعتبارات ،بل للتعجل فيها وأساليب تنفيذها، ثم إنها غير مبرأة من العيوب وفيها الكثير من الثقوب كنيفاشا عبرها تمر كل الأحجام المطلوبة وغير المطلوبة وبمعنى أدق الصالح والطالح معاً.بدءًا لابد من التأكد من إستيعاب التركيبة النفسية الجنوبية التي ستستمتع بهذه الحريات لمعناها وضوابطها المطلوبة والمفروضة أو التي تحد ما يعتقد المستفيد إنها مباحة كما كانت أو أكثر مما كانت خاصة مع إعتقاد غالبيتهم أو زُيِن لهم ذلك أن الحريات الأربعة حق جنوبي إقتلعه باقان من فم الأسد بمساعدة اللبوة «رايس» إن الصراع الدائر هو صراع بين دولتين كانتا دولة واحدة ثم إنتقل الصراع السياسي الحكومي إلى مرحلة أخرى هو الصراع بين شعبين حيث تلعب أياد خفية لتحريك كل مقومات عدم القبول بالآخر والذي أظهره الإستفتاء، ثم من خلال سلسلة أحداث تم تطويعها وتوجيهها لتعميق الهوة بين الشعبين ،إن مشاعر عدم القبول بالآخر هي أخطر ما يهدد الحريات الأربعة وهذه نقطة يجب على جمهورية السودان أن تضعها في الإعتبار وأجهزتها التشريعية تستعد لمناقشتها ،إن فصل السودان إلى دولتين مؤامرة خطط لها الغرب ونفذها !! وإقحام الحريات الأربعة في هذا التوقيت هو لخلق مزيد من التباعد بين الشعبين(الحالة النفسية عقب الإستفتاء ثم عقب أحداث هجليج)وبالتالي إطالة أمد الصِّراع وإهدار الموارد وإضعاف البلدين والسودان بصفةٍ خاصة من أهم الإجراءات التي يجب أن تقوم بها حكومة الجنوب والتي تضمن بموجبها أهلية الجنوبي للتمتع بمزايا الحريات الأربعة إذا أقرها الشعب السوداني،هو تكملة البنية التحتية المعلوماتية عن مواطنيها خاصة الكوادر التي ترغب إرتياد آفاق هذه الحريات بفهم الدولة المستضيفة أي بلا عشوائية في الإقامه ولا عشوائية في التنقل كما أن التملك نفسه يكون فيه نَفَس الدولة وروح قانون التملك فيها والعمل أيضاً تتبعه القوانين المالية والإدارية المنظمة والضابطة ، إذن فالأمر يجب أن لا يكون مجرد تخلص الجنوب من مواطن فقد الأمن والأمان في وطنه لأسباب داخلية بل يجب أن تعتبر حكومة الجنوب ان المتمتع بهذه الحريات هو سفير دولته للنوايا الحسنة لا أن يكون للمستضيف نذيرشؤم وسفيرًا لجهنم وكل هذا لن يتأتى إذا لم ترتب دولة الجنوب أمرها كدولة ليكون ذلك هو معيار التعاون معها ، وليس المجاملة التي أعيت من سلك دربها في كل أمورنا مع الجنوب وغير الجنوب والظل لا يستقيم والعود أعوج. إن التوقيت الآن غير مناسب لتطبيق هذه الحريات، وبما أن الإستفتاء الذي قضى بفصل الجنوب عن الشمال كان بعد فترة إنتقالية!! والحق فيه كان للجنوب فقط ،فإن الحريات الأربعة أولى بفترة إنتقالية لا تقل أيضاً عن السنوات الأربعة الحق فيها لمواطن السودان الشمالي ويحترم خياره أياً كان مالم تتناول كواليس المنظمة الأممية خلاف ذلك وساعتها أيضاً يكون لكل حادث حديث .إن للشعب السودانى مقدرة فائقة وحصافة في تقدير الموقف السياسي والأخلاقي والإجتماعي مع «متبلات دينية» تجعله يميز الخبيث من الطيب ولا تثريب عليه أياً كان خياره مع أو ضد الحريات ويبدو أيضاً أن تصرفات وممارسات حكومة الجنوب لها تاثيراتها على مسار تنفيذ هذه الحريات واقعاً مفروضاً أومختارًا بإستفتاء. تعودنا من الطرف الآخر التعجل في تنفيذ كل ما يحقق له مصالحه وبما أن مؤسساتنا التشريعية ستتداول في أمر الحريات فإن المتوقع من حكومة الجنوب إستنادا على عدة عوامل داخلية خاصة بها أوخارجية مساعِدة لها أن تبدأ في دفع موجات عبر الحدود المفتوحة المسارات والتي بلا ضوابط أو قيود ما يعني أكبر المهددات للأمن القومي السوداني للأعتبارات التالية: عدم اكتمال إجراءات استخراج الأوراق الثبوتية للجنوبيين أنفسهم وبالتالي عدم إمكانية ضبط هوياتهم القبلية خاصة القادمين من مناطق التداخل(كينيا،يوغندا،الكونغو إلخ)وصعوبة الفصل بين هؤلاء واولئك. صعوبة إنشاء نقاط مراقبة حدودية أو ضبط معابر الدخول والخروج، وما يعني إمكانية إستغلال العناصر المسلحة المناوئة للحكومتين هذه الحالة لتكثيف انتقالاتهم وإدخال السلاح. لا يزال منفيستو الحركة كما هو دون تعديل متضمناً بند تحرير السودان من العنصر العربي المسلم وعليه فبمثل هكذا حريات وبتنظيم دقيق ومخطط يمكن إدخال العناصرالمدربة التابعة للجيش الشعبي ومليشياته للسودان للإقامة والعمل والتنقل والتملك وهذا الأخير(التملك)وهو مرتبط بالإقامة ما نوعه ؟هل هو تملك عشوائي كما السابق أحزمة حول المدن أم بؤرًا في قلبها وقلوب المواطنين ؟ والإقامة ماشكلها وما نوعها وما حدودها وكثيرة هي الإسئلة التي تطرح نفسها في هذا الشأن فهل من مجيب . إن المهدد الأكبر للأمن القومي السوداني تأتى مداخله ومعابره عبر هذه الحريات الأربعة المطلقة ،صحيح أن البعض يرى أن هناك أجناس أخرى من دول مجاورة وأخرى بعيدة أقامت وتملكت وتنقلت فماذا يمنع الجنوبيين من هذا الحق ؟والإجابة هي أن لاشيء يمنع تمتعهم بهذا الحق سوى أنهم إختاروا الإنفصال والإستقلال ولقادتهم أقوال في هذا الشأن تُكتَب فيها المتون يمكن(إذا إرتأت الدولة بإرادتها التطبيق التجريبي الجزئي لهذه الحريات)أن يتم ّذلك على الفئات التي لم تغادر السودان ووفقت أوضاعها عبر سفارتهم ولتنظر الدولة المستضيفة هل المستضافين أهلاً لهذه الحرية سلوكاً وممارسةً وإحتراماً للقوانين وتفاعلاً مع المجتمع السوداني إن الجنوب دولة غنية بمواردها رغم ما يجتاح بعض أجزائها من جفاف إلا أنها ليست (جوعانة ) أكرر ليست جوعانة ثم نحن أمام دولة لها جيشها حتى وإن لم يكن كله تحت السيطرة ولكنه جيش ينبغي أن نحسب له حساباته في أركان دولة تفتقد إلى أهم المقومات وهو إنعدام الإجماع على الحريات الأربعة في الجنوب نفسه فكيف يطالب الجنوب بما ليس فيه في بلد غيره!وغير هذا كثيرًا من الأمور التي يجب على السودان وضعها في الإعتبار قبل الموافقة النهائية عليها، ليس من الحكومة بل مِن مَن ينتخبها.لقد تجاوز الشعب السوداني في سبيل تحقيق السلام عقبات سياسية وإجتماعية وعسكرية وصبر على إبتلاءات إقتصادية كانت في بعض البلدان سبباً لفترات حكم «شاتية» أعقبها «ربيع»تغيرت فيه مقاليد الأمور إلا أن هذا الصبر مربع تجاوزه الشعب السوداني لإعتبارات نفسية وسياسية وإقتصادية أيضاً ودفع ثمناً لكل هذا الإنفصال الذي لم يحسن السياسيون الحسابات له فهل ياترى سيدفع الشعب مرةً أخرى فاتورة أخطاء الساسة في صعودهم سلم المجد السياسي؟ إن «دوارة» الصِّراع في السودان تزيد كل يوم في سرعة دورانها وبقوة طاردة مركزية إذا لم يتدارك المركز الأمر وتماسكت الجبهة الداخلية و خفت حِدة التوتر السياسي والأمني ستؤدي إلى إنفلات بعض المناطق عن مدار الوطن لتحتويها أو تجرها مجرات بعيدة مكونة مدارات خاصة وبالتالي جاذبية خاصة بها وهنا يأتى دور الحريات المتاحة الأربعة المقننة أو غيرها سواء للجنوبيين أو غيرهم ، لتقوم بدورها في تفكيك البنية السودانية ، إنها (أي الحريات الأربعة)الموت البطيء لمكونات المجتمع المسلم إذا لم تنتبه الدولة والشعب معاً،مهما تزينت أو زُيِنت به ظاهرياً وتبرجت به مظهرة مفاتنها الإقتصادية إلا أنها كخضراء الدّمن . üفريق ركن