ما حدث من توسع في حجم ونسبة توزيع الأراضي والقطع السكنية بولاية الخرطوم خلال السنوات العشرين الأخيرة لم يحدث طوال عمر الدولة السودانية الحديثة، وأحسب أنه لن يحدث أيضاً، وقد كانت لذلك أسبابه التي تراجعت وأخذت تنتفي الآن.. ومن الأسباب التي أدت إلى «المنح العشوائي» للأراضي السكنية في فترة ما، هو حاجة الدولة ممثلة في حكومة الولاية للمال العاجل لتنفيذ بعض المشروعات الضخمة، ومنها الكباري على سبيل المثال، لذلك تم بيع الأراضي وتخصيص بعض المساحات والمجمّعات السكنية لصالح تلك المشروعات. ومن الأسباب الملحة التي أسرعت بالتوزيع والتخطيط لمدن جديدة في ولاية الخرطوم، الهجمة البشرية الضخمة التي تعرضت لها العاصمة بعد أن انتكست الولايات الأخرى وأصبحت طاردة فاجتمع أكثر من ثلث سكان السودان في الخرطوم وما حولها، وقد ارتفعت نتيجة لذلك أسعار المنازل الجاهزة وأسعار القطع السكنية، وارتفعت قيمة الإيجارات بما يعجز العامة من إيجاد ظل يؤوي الأسرة ويقيها ويلات التشرد والإتجاه نحو العشوائيات. تدخلت الدولة وجاء مشروع «الظل لمن لا ظل له»، ويشهد المواطنون للدكتور شرف الدين بانقا بأنه كان أحد عباقرة التخطيط الجيد لهذا المشروع رغم الهجوم الذي تعرض له الرجل في فترة ما، كما يشهد المواطن لأحد مديري الأراضي السابقين مولانا الحاج آدم الذي ظلت أبوابه مشرعة أمام أصحاب الحاجات الملحة ولا يعرفون تعقيدات الإجراءات، ويشهد ذات المواطن لكثيرين من المسؤولين في مصلحة الأراضي بكل تدرجاتها ومراحلها إلى أن أصبحت مؤخراً تحمل اسم هيئة الأراضي وتنظيم البناء. وبالأمس سجل المواطن شهادة أخرى في حق مولانا عصام الدين عبد القادر الزين مدير الأراضي في وزارة التخطيط والتنمية العمرانية، وللوزير والوالي معاً وذلك بعد الإعلان المنشور في كثير من صحف الخرطوم عن تخفيض رسوم معاملات الأراضي وتصاريح البناء بولاية الخرطوم اعتباراً من السابع عشر من هذا الشهر بنسب تتراوح ما بين«50%» في رسوم فرق التحسين من سكني إلى تجاري ومثلها في رسوم فرق التحسين من زراعي إلى سكني، ومثلها في رسوم تجديد الحكر من انتهاء المدة القصوى للسكني والصناعي والتجاري، وما بين «40%» بالنسبة لرسوم القرى الخاصة بالسعر التجاري و «35%» في رسوم تصريح المباني و «25%» في رسوم فرق السعر ومثلها في رسوم القرى بالنسبة للسعر الرسمي. ولكن تظل هناك مشكلة واحدة تعطل أعمال الخلق وتستنزف أوقاتهم، تتمثل في استخراج عقودات الأراضي لأصحاب القطع السكنية التي تم توزيعها ضمن الخطط السكنية والتي لم يتم استخراجها في وقتها رغم اكتمال كل الأوراق والمستندات والإيصالات المالية ، خاصة وأن هيئة الأراضي قامت من قبل بإلغاء العقودات القديمة ومنعت التعامل بها محاربة لظاهرة المخالفات، ومع ذلك نجد مواطناً يبحث عن العقد الخاص بالأرض الممنوحة له في إحدى حارات الثورة البعيدة منذ عشر سنوات إذ أنه يعجز تماماً من التصرف في قطعة الأرض ويخشى أن يكون هناك من تغول عليها.. والنماذج كثيرة.