وما أدراك ما تلودي ! فهى وان كانت فلذة من فلذات كبد الوطن الكبير، إلا أن لها من الخصوصيات ما يجعلها دنيا فريدة وجنة عريقة، وهذا أمر آخر اذ ان ما جعلها تملأ دنيانا وتشغل أهلنا في الآونة الأخيرة تلك الفاجعة التي صار عنوانها (حادثة طائرة تلودي)، وهي فاجعة لنا نحن أبناء هذه الدنيا الدنية الفانية الجزعين الهلوعين الذين كثيراً ما ننسى قول أصدق القائلين جل وعلا في محكم تنزيله: (وما كانَ لنفسٍ ان تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً ومن يرد ثواب الدُّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين). ولم يكن صمت قلمي حتى الآن تأثرًا بقول ذلك الشاعر الذي إعتقد انه أفشل من قال في التعزية والمؤاساة :- كأن لم يكن بين الِحجون الى الصفا أنيس ولم يسمر بمكةَ سامرٌ بل ولا حتى تأسياً بقول من قال:- وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له رزية مال أو فراق خليل ولكن كما ذكرت في مساحة آنفة من هذا العمود فقد كان من أسباب الصمت ذاك البعد الفيزيقي عن أرض الوطن بفعل عوامل قاهرة لا محل لها من الاعراب هنا، بالاضافة الى ما اصابني واخرسني من الفقد لصديق عزيز كان ضمن الشهداء الأعزاء في تلك الطائرة التي أذهلتنا جميعاً ونحن في غرة شوال المنصرم نرفل في الدمقس وفي الحرير إبتهاجاً بأول أيام عيد الفطر المبارك، ألا وهو الصديق الصدوق الشهيد اللواء امن أبوقرون الرَّاحل المقيم:- بنفسي هلال كنت أرجو تمامه فعاجله المقدار في غرة الشهر واكثر ما حزَّ في النفس! والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه،ذاك الذي عبر عنه شاعرنا بقوله:- ولم ارَ في الذي قاسيت شيئاً أمرْ من الفراق بلا وداع ونحن إذ لا نزكي على الله أحد اصطفاه الى جواره،إلا ان من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ومعلوم عن شهيدنا اللواء أبوقرون انه كان نحلة لا تكل ولا تمل. وقد التقيته أول مرة في فيافي العاصمة الأردنية عمان في شهر مارس الماضي ،حيث كنت في رحلة علاجية مع والدي ،وكان الأخ أبوقرون هو المشرف الحقيقي على علاج والدي وكان عضدي وسندي طيلة فترة وجودي هناك،وكانت ذكراه لا تفارقني حتى سمعت باستشهاده وأنا خارج البلاد. وأخيرًأقول إن عمره سيطول في ذاكرتي بإذن الله. وسأظل أذكر كل حبات العقد اللؤلؤي النضيد، أولئك الذين انضم موكبهم المبارك الى حيث سبقهم سلفهم البطل الجسور والشهيد العظيم عبد الفضيل الماظ إبن تلودي وعاشقها الولهان.. فيا تلودي، أيتها البقعة المباركة الثاوية في السويداء من فؤاد الوطن الرؤوم، لقد استأثر تاريخك المجيد برتل لا ينقطع من الذين هم أكرم منا جميعاً، منذ اسلافنا العظام .. السلطان عجبنا.. الفكي الميراوي.. ابنك الماظ.. والكوكبة القريبة وليست الأخيرة!.