اليوم الأحد، يصادف الذكرى الثامنة والأربعين لثورة أكتوبر الشعبية التي نجحت في الإطاحة بنظام حكم الرئيس الفريق إبراهيم عبود وصحبه الكرام أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة السودانية، بعد أن طارت الشرارة الأولى لتشعل النار في يد السلطة وتفكك قبضتها، وتؤدي بها إلى سراديب التاريخ، بعد أن قرر الفريق عبود- رحمه الله- حل المجلس العسكري الأعلى، ثم تقدم- لاحقاً- باستقالته من الرئاسة بعد تزايد الضغوط الشعبية المتمثلة في التظاهر المستمر، والضغوط السياسية من قبل جبهة الهيئات، ومن قبل الأحزاب التقليدية. ثمانية وأربعون عاماً مرت منذ أن أطاحت أول ثورة شعبية بنظام الحكم القائم في السودان، وهو حكم عسكري، تسلم فيه الجيش السلطة ب(التراضي) مع الحكومة القائمة آنذاك، وهي حكومة حزب الأمة التي كان يرأسها الأميرالاي عبد الله بك خليل، وجاء تسلم الجيش للسلطة في السابع عشر من نوفمبر 1958م قبيل انعقاد جلسة البرلمان الذي كان ينظر في أمر سحب الثقة من الحكومة بساعات، وكان ذلك بعد عامين إلا أسابيع قليلة من الاستقلال الذي تم في الأول من يناير 1956م. ثورة أكتوبر 1964م، لم نوفها حقها من البحث، ولا نظام حكم الفريق إبراهيم عبود إلا من بعض الكتب القليلة التي تعتمد على الاستنتاجات أو التحليل للأحداث، أو حوارات متباعدة مع نجوم تلك الفترة، لكن كلاً منهم كان يقدم رؤيته (هو) للثورة ويعلي من قدر دوره، رغم أن الثورة كانت (شعبية) خالصة خرجت فيها الجموع إلى الشوارع احتجاجاً على الكبت السياسي، وثورة على مقتل الطالب الشهيد أحمد القرشي طه، الذي أصبح رمزاً للثورة ولدور الوعي الطلابي في إيقاد نارها والنفخ عليها لتشتد جذوةً وأواراً. الأحزاب الحديثة- وقتها- كان لها دور كبير في تفجير تلك الثورة، وكان لجماعة الإخوان المسلمين دور كبير من خلال تنظيم الندوة الشهيرة في جامعة الخرطوم عن مشكلة الجنوب التي كانت هي البداية، ثم دخل سماسرة السياسة وتجارها ليلبسوا الثورة لباسها، وعلت أصواتهم، ونفض التقليديون عباءاتهم التي خبأوها لست سنوات هي عمر نظام الفريق عبود، وأعلنوا عن وجودهم، وساروا نحو القصر حتى تمت إزاحة النظام. ثورة أكتوبر 1964م، ثورة شعبية حقيقية، تم السطو عليها من قبل آخرين غير الذين صنعوها وكانوا وقودها وجذوتها وأوارها، وجاءت حكومات لا تعبر بالقدر الكافي عن الثوار الحقيقيين، لذلك لم يأسف عليهم أحد عندما بثت الإذاعة السودانية المارشات العسكرية صبيحة الخامس والعشرين من مايو 1969م، لتبدأ اسوأ سلسلة حكم في بلادنا تتمثل في ديمقراطية وحكم مدني، ثم انقلاب عسكري ثم ديمقراطية وحكم مدني.. وهكذا. نخشى على ثورات الربيع العربي (المختطفة) من ذات المصير، كما نخشى على شعوب بلدان الربيع العربي من الدائرة الجهنمية التي ظللنا نعاني منها سنين عدداً.. إذ كلما حاولنا أن نتقدم خطوة نحو المستقبل كان محيط الدائرة لنا بالمرصاد. على كل حال.. كل عام وبلادنا بخير..