بعض القنوات الفضائية العربية والأجنبية، تحسن الظن بنا كثيراً، لذلك يسارع القائمون بأمر متابعة الأخبار فيها، أو مراسلوها في السودان، يسارعون للاتصال بنا حال وقوع ما يرون أنه يستحق الوقوف عنده من أحداث.. وهذا ما حدث تماماً ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، عندما اتصل عليّ ممثل لقناة النيل الأخبارية المصرية، للحديث ضمن النشرة الرئيسية للقناة عن تعرض مدينة «كادوقلي» عاصمة ولاية جنوب كردفان، لقصف مدفعي جديد، خلال زيارة الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين، وزير الدفاع للمدينة أول أيام عيد الأضحى المبارك، وقال لي مسؤول الأخبار في القناة إنه سيعاود الاتصال الهاتفي لأكون ضيفاً على النشرة الرئيسية بعد ساعة. لم أضع الوقت، وأجريت اتصالاً عاجلاً بوالي ولاية جنوب كردفان، مولانا أحمد محمد هارون، فوجدته يقوم بزيارة اجتماعية، وتبادلنا التهاني بمناسبة العيد، واجتمعت أمانينا في أن يحقق الله وحدة وسلام واستقرار وتنمية هذا الوطن، الذي ظللنا نمزقه بأيدينا، ونحمل غيرنا مسؤولية ذلك، ثم سألت مولانا أحمد هارون عن حقيقة ما حدث، فقال بكل صراحة إن قصفاً عشوائياً قد تم بالفعل خلال زيارة السيد وزير الدفاع للمدينة أول أيام العيد، لكنه لم يكن مؤثراً، لذلك لم تصدر حكومة الولاية بياناً حوله، وقال إن الزيارة استمرت وفق ما هو مخطط لها، وإن المدينة الآن تعيش حياتها الطبيعية، واستدل على ذلك بأنه يقوم الآن بزيارة اجتماعية. أجريت عدة اتصالات هاتفية بعدد من الأصدقاء في مدينة «كادوقلي» وقال لي بعضهم إن المخابز تعمل والأطفال يتقافزون في الحدائق وبعضهم لا يكاد يفارق الساحات العامة التي نصبت عليها «المراجيح» أو اختارها الباعة لتسويق الألعاب المختلفة. عندما اتصل عليّ ممثلو قناة النيل الأخبارية المصرية، نقلت لهم ما سمعته من الوالي وما سمعته من غيره، وقلت لمذيع النشرة الأخبارية إن القصف من ذلك المنطلق سيكون ل «لفت الانتباه» ليس أكثر. وقبل يومين وضع الجيش يده على المدافع التي انطلقت منها تلك القذائف، وقد زارني بالأمس أحد الأصد قاء من ذوي الخلفية العسكرية والأمنية فسألته تفسيراً عما جرى في «كادوقلي» فقال لي إن القصف الذي تم هناك كان بمدافع «الكاتيوشا» وهي أسلحة غير مؤثرة في حسم المعارك العسكرية، ويبلغ مدى قذائف «الكاتيوشا» ما بين سبعة إلى ثمانية كيلومترات في المناطق المنبسطة، لكن هذا المدى قد يرتفع إلى أكثر من خمسة وعشرين كيلومتراً في حال توجيه القذائف من مناطق عالية إلى أخرى منخفضة، وقدّم لي شرحاً إضافياً بأن قذيفة «الكاتيوشا» عبارة عن حديد وسيخ ملتهب ينتشر عقب الانفجار فيصيب من هم في دائرته، لكن صوت الانفجار يجيء عالياً ومزعجاً ومربكاً إلى أعلى حدود الإرباك. سمعت ما قاله محدثي وقررت أن أعود إلى شبكة الانترنت عسى أن أجد ما يروي غليلي في التعرف على هذه المدافع والقذائف المزعجة، وكان كل ما حصلت عليه يمكن تلخيصه في أن الجيش الأحمر السوفيتي، هو أول من استخدم مدافع «الكاتيوشا» في معركة «ستالنيجراد» التي وقعت بين قوات المحور والقوات السوفيتية، جنوب نهر الفولغا، وهي أول معركة يستسلم فيها جيش ألماني خلال الحرب العالمية الثانية، والتي أخذ بعدها يتلقى الهزائم المتتالية حتى لحظة انتحار هتلر تحت قصف مدافع الجيش الأحمر. «الكاتيوشا» و «الجراد»- وهي نوع متطور منها - هي مدافع ميدانية غير قاتلة أو مميتة للجيوش النظامية في الميدان، لكنها تستخدم من أجل تحقيق الإرباك والحرب النفسية ضد جنود الخصم، إنها أسلحة ليست قاتلة وغير مدمرة للآليات والمعدات والذخائر ولا تصيب أهدافها بدقة.